مقالات

هوامش جوهرية على برنامج الزبيدي للرئاسية

أبو يعرب المرزوقي

إذا كان الرجل جادا في علاج أدواء تونس -وليس عندي ما يدعوني للشك في نواياه لأن الرجل لم يعرف عنه سابقا أنه كان في موقع سياسي يمكن الحكم له أو عليه في ما يتعلق بمصير الثورة والبلاد- فإني اعتقد أن العناصر الخمسة التي يقترحها في برنامجه ينبغي أن تتعلق بالعلل وليس بالأعراض وهو طبيب ويفهم معنى الفرق بين علاج علة المرض وعلاج أعراضه. وسآخذ هذه العناصر واحدا بعد واحد وأبدأ بأولها:
1. أولا الاغتيالات
العنصر الاول فيه ثلاثة عناصر:

  • الاغتيالات.
  • التسفير.
  • الجهاز السري.

أليس من المفروض أن يتوجه البحث القضائي حول هذه العناصر -وليس السياسي الذي لا دخل له فيها لأن تدخله يعني استتباع العدالة إلا إذا ثبت أن السياسة كانت تحول دون العدالة وأخذ مجراها- إلى الوجهة التي تطلب العلل لا الأعراض؟
أ‌. الاغتيالات:
هل بالصدفة أن يكون المغتالان من نوع معين ليس سياسيا فحسب بل تكوينا وانتسابا ايديولوجيا في علاقة بالمشرق العربي -يعني من ذوي العلاقات بالشبكات المخابراتية- وأحدهما له فرقة قتال في سوريا وهدد بأنه إذا لم يصل حزبه إلى الحكم بالديموقراطية فسيستعمل السلاح لافتكاكه (قال ذلك في المجلس) وفي لحظة المتهمون بهم لا يمكن بكل أنواع المنطق أن يكونوا المستفيدين من اغتيالهم بل هم الخاسرون ومع ذلك بقيت التهمة ملصقة بهم لأن الضحيتين صارا “أصلا تجاريا” للجبهة الشعبية ولمن يطلب ودهم كما حصل مع السبسي سابقا ويبدو أن القصد هنا مماثل لقصد السبسي؟
ب‌. ثانيا التسفير:
هل يمكن أن يسأل المرء عن التسفير بمعنى السفر إلى ساحات الحروب العقدية في رؤية المسفرين ولا يسأل عن التسفير بمعنى السفر إلى ساحات الغرب الدنيوية في رؤية المسفرين الذين غرقوا في البحار طلبا للحياة الكريمة التي حالت دونهم وإياها المافيات التي أضاعت كل شروط التنمية فصاروا عاطلين وتميزوا عن الاولين بطلب جزاء الدنيا بدل من صدق من الآخرين في طلب جزاء الآخرة كما يعتقدون؟
هل المافيات التي تنجز هذه لا علاقة لها بالتي تنجز تلك؟
أم لعلها نفس المافيات وهي ذات علاقة بالحدود في الحالتين ومراقبتها ديوانيا وأمنيا؟
فهل اجهزة الدولة وما يسيطر عليها من مافيات التي من جنس التهريب على الحدود بعيدة عن ذلك؟
والان من حيث المبدأ والخلق والقيم الإنسانية هل يمكن اعتبار خرافات أعداء الحرية والكرامة من توابع الفاشيات في تونس -الاحزاب القومية والأحزاب اليسارية كلها فاشية إما بالمعنى اليميني أو اليساري أي بين قومية نازية ويسارية ستالينية متحدة مع اليمين الغربي المؤمن بالاسلاموفوبيا- الكلام على التسفير دون حرية السفر وحرية الضمير في اختيار القضايا التي يدافع عنه الإنسان بمقتضى قيمه؟
بمعنى هل يوجد قانون يمنع الإنسان من السفر للدفاع عما يؤمن به؟
كيف نفهم حضور من جاء من بلاد غربية ليس ليكون في صف السوريين بل في صف من يقاتلهم؟
وما الموقف من أدباء كبار فرنسيين كانوا يرون البطولة في الشباب الأوروبي الذي تطوع لمساعدة الاسبان ضد فرنكو؟
وماذا نقول في جدودنا الذين ذهبوا للجهاد في فلسطين وفي ليبيا وفي الجزائر؟
هل هؤلاء إرهابيون؟
أم نحن نتبنى حكم من يعتبر كل حركات التحرر إرهابية؟
هل تشي غيفارا إرهابي؟
وأخيرا هل يحق لمن يترشح رئاسية الدولة ومن هو من ثم رئيس دولة ممكن أن يتصور وكأنه ناطق باسم أعداء شعبه وأمته في توصيف ما يحرك ضمائر شبابه إذا كان تصرفه ذاتي وليس مفروضا عليه؟
ت‌. ثالثا الجهاز السري:
هل إذا ثبت أنه يوجد شيء من هذا النوع فهل يمكن عندئذ تبرئة الدولة على الأقل من انتخابات 2014 إلى اليوم من التواطؤ مع المتهمين به فيكون الأمر إما تافها فلم يروا فيه ما يهدد أمن البلاد لكنه يصلح أداة لإسكات الخصوم الشركاء أو هو خطير ومن ثم فالجميع متآمر على الدولة وينبغي محاسبة من كان ذا سلطان وليس من كان تابعا له خلال السنوات الخمس التي مرت؟
والجريمة مضاعفة: السكوت عن جريمة ثم استعمالها لابتزاز شريك قد يكون تورط بسبب الخوف مما حصل له سابقا عندما لم يكن له ما يكفي لحماية نفسه خاصة إذا ثبت أن الجهاز كان استخباراتيا وليس مسلحا أو ارهابيا.
إذا كان هذا قصد المرشح فنعم العمل وسأكون من أول المؤيدين لمثل هذا العلاج. لكني في الحقيقة أشك كثيرا في أن القصد هو هذا. ولعله عكسه تماما ومن ثم فالمسائل الثلاثة تفيد أمرين:

  • الاول وعد لنفس الصف الذي جمعه السبسي لتكوين ما سماه جبهة الانقاذ فإذا هي كما نعلم قد صارت جبهة الإغراق.
  • الثاني تهديد لنفس الصف الذي اضطر السبسي للحكم معه مع ابتزازه مدة خمسة سنوات لأنه كان محتميا بهم ويوهمهم بأنه يحميهم. وهذه حيلة بينتها من البداية لكن الإسلاميين كانوا حذرين ليس خوفا منه ولا من حلفائه في الداخل بل من الوضع الإقليمي والدولي إزاء إرادة التحرر الفعلية والتي يعلم الجميع أنها لن تأتي من غير من يؤمن بالوطن وبحاضنته التاريخية ولا يقبل ببقاء بلادنا مجرد محمية أقل استقلالا مما كانت لما كانت محمية رسمية في عهد البايات.

بعد كلامنا على العنصر الاول من برنامج الدكتور الزبيدي وبنفس المنطق المتعلق بعلاج علل الأمراض بدل عللها، أمر إلى العنصر الثاني أي الكلام على تعديل الدستور بالاستفتاء.
لا يوجد استفتاء على تعديل دستور أي جماعة من دون أن يتعلق الامر بتحديد المطلوب في الاستفتاء.
هل سيكون الاستفتاء على:

  1. طبيعة النظام؟
  2. ام على طبيعة مرجعيته القيمية والتاريخية؟
  3. أم على حقوق ا لمواطن وواجباته؟
  4. أم على توازن السلطات أيا كان نظام الحكم؟
  5. هل هذا الاستفتاء يعلل بما في الدستور أم بما يجعل التعديل يصبح من عادات تغير الأغلبيات التي تفرزها الانتخابات؟
  6. هل ما حصل في تونس كان سببه الدستور الجديد أم التعامل معه بمنطق الدستور القديم؟
  7. هل القصد من الاستفتاء المطالبة بإزالة ما أعاق التعامل مع الدستور الجديد بمنطق الدستور القديم وما آل إليه من عزل رئيسي الحكومة اللذين أرادا ملأ مركزهما بمنطق الدستور الجديد ولم يعجب ذلك من أراد العمل بالدستور القديم؟
  8. أخيرا هل هذا الاستفتاء سيقترح تعديلات معينة تخدم اهداف الثورة ومسار الانتقال الديموقراطي أم تعديلات هدفها ليس إيقافهما فحسب بل إلغاء ما أنجزته الثورة وما يسعى اليه المسار الديموقراطي؟

واعتقد أن الكلام في بقية العناصر لم يعد ضروريا لأن الجواب عن العنصرين الاول والثاني كاف.
فالأول يحدد مشروع حرب أهلية إن صح التأويل السالب.
والثاني يحدد مشروع استعادة نظام أسوأ من نظام ابن علي إن صح التأويل السالب كذلك.
وطرح هذه الأسئلة لا يقرر بدلا من المترشح الخيار بل هو يرجح فرضيا وينتظر من المترشح الجواب الذي يشفي الغليل فيبين طبيعة الخيارات وراء هذا التعديل الذي يمس أهم انجاز للثورة أي التحرر من الرئاسوية التي افسدت الدستور الأول بالتعديلات التحكمية وقد تنهي الدستور الجديد بتعديل قد يتم بالتنسيق مع القوات الحاملة للسلاح كما جاء في أحد عناصر البرنامج وإن كان الامر متعلقا بأمر آخر لكنه يخص دور رئيس الدولة من حيث هو حام للدستور وللأمن الوطني.
فالكلام على تنسيق مع القوات الحاملة للسلاح في حماية الامن القومي ومنه محاربة الإرهاب قد يذهب إلى جعل السياسي تابعا للعسكري وإن بصورة متدرجة إذ كثير من الدساتير تتضمن ما يماثل ذلك كما في الدستور التركي السابق الذي كان يتكلم على ضمان الجيش للعلمانية أي للمرجعية القيمية التي يعتمد عليها النظام.
ولست واثقا من أن التنسيق المشار إليه يذهب إلى هذا الحد لكن ما يبدأ في حماية أمن البلاد الذي هو مسؤولية سياسية وليس عسكرية إلا من حيث البعد التقني قد يمتد إلى حماية النظام وحماية الدستور وحماية المرجعية وهي كلها من المسؤولية السياسة للجماعة ولمن تنوبهم ديموقراطيا ليكون رعاتها وحماتها وليست القوات الحاملة للسلاح إلا أدوات لتحقيق ذلك ولا دخل لها في تنسيق الأمر مع السلطة السياسية.
بقية العناصر ليست مهمة.
فمثلا سبق أن اقترحت المصالحة قبل المحاسبة لأن المبدأ هو البراءة قبل الاتهام ثم أترك الاتهام للقضاء وفي ذلك منفعة للثورة لأنها تزيل تخويف الجميع ليكونوا حلفاء للمجرمين الكبار لعلمي أن المجرمين الصغار كثر ولا معنى لمحاسبتهم أولا وثانيا لاستحالتها وأخيرا فإن القيام بذلك من جنس قطع يد من يسرق خبزة والتسامح مع من يسرق ثروة البلاد كلها.
كما أن العفو على ابن علي ليس مهما إذا تحقق شرطان:

  • الأول أن يعيد هو واسرته ما سرقوه وأن يعوضوا من افتكوا أرزاقهم.
  • وثانيا أن يطبق عليه القانون مثل أي إنسان أجرم في حق الوطن.

لكنه يبقى مع ذلك تونسيا وأولى به أن يعود لبلده وأن يتحمل نتائج أفعاله.
وإذن فالأمر كله مداره على العنصر الاول والثاني.
أما الكلام على المسألة الاجتماعية فلا معنى له: لا يمكن أن تحكم مافية النظام بالحلف مع مافية الاتحاد ثم تدعي حل مشكل العلاقة بين الاقتصادي والاجتماعي حلا يحقق التناغم بين شروط الإنتاج وشروط التوزيع السليمة.
فهما قد جعلا الدولة وشركاتها “تكية” يتصرفون فيها دون حسيب ولا رقيب وضد كل قوانين الإنتاج والتوزيع الفاعلين والعادلين.
أما قضية ارجاع العلاقات مع النظام الفاشي الذي لم يبق منه إلا ما يبرر وجود المحتلين الذين يدعون أنهم في سوريا بدعوة من النظام فليس مهما في تونس وهو لا يعني إلا المترشح الذي يريد أن ينال رضا القوميين في الاتحاد. وهي ليست خيانة لتونس فحسب بل لكل القيم لأن تونس التي مثلت امل اخراج اقليمنا من الاستثناء تصبح مؤيدة لأكبر مجرم عرفه تاريخ الإقليم فحتى هلتر لم يفعل ما فعله بشار وجماعة المماتعة في الشعب السوري.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock