تدوينات تونسية

يا قوم، ما معنى رئيس يوحّد التّوانسة ؟؟

عبد اللطيف علوي

من المقولات المتكرّرة في فقه الغباء التّونسيّ: نحبّو رئيس يوحّد التّوانسة!!
أوّلا أيّ رئيس سينتخب مثلما انتخب الباجي، بخمسين في الميا وشويّة صرف. فهل يعني ذلك أنّه قسّم التّوانسة؟ باعتبار أنّ ما يقارب النّصف من النّاخبين لم ينتخبوه ويريدون غيره، هذا فضلا عن ملايين الآخرين الّذين لم يصوّتوا لكنّ نصفهم على الأقلّ يرفضونه أيضا! فتكون المحصّلة أنّ أكثر من ثلثي الشّعب لم ينتخبوه، فكيف سنتحصّل إذن على هذا الرّئيس الّذي يوحّد التّوانسة؟؟
حكاية “يوحّد التّونسة، أو يجمّع التّوانسة” ذهبت مع بورقيبة وبن علي، ياااا حسرة، أيّام كان أحدهم يفوز بـ 99,99 بالمائة، وتتكفّل المخابرات بالبحث عن الواحد بالمائة الخارج عن الإجماع والصّفّ الوطنيّ كي تعالجه من داء الاختلاف.
النّاس في أيّ بلد مختلفون ومتناقضون ومتدافعون ومتصارعون تصارع مصالحهم وأفكارهم وانتماءاتهم الطّبقيّة والثقافية والسياسية، ولا يمكن أن يوحّدهم شخص رئيس الجمهورية. النّاس يوحّدهم العدل والقانون حين يكون سيفا مسلّطا على الجميع بلا ميز أو محاباة، توحّدهم الأهداف الوطنيّة الكبرى والمصلحة العامّة المشتركة، توحّدهم الهويّة الجامعة والمؤسّسات المنبثقة عن إرادتهم، أمّا الرّؤساء، فليس من دورهم أن يوحّدوا النّاس إلاّ في أوقات الحروب الأهليّة أو الحروب ضدّ المستعمر، حتّى في أوقات الكوارث الكبرى، النّاس يتوحّدون من تلقاء أنفسهم ولا ينتظرون الرّئيس.
فكرة الرّئيس الأب هي من الأفكار القاتلة للديموقراطية، وقد أضرّت كثيرا بمؤسّسة الرّئاسة في العالم العربيّ حتّى في ظلّ تجربة تونسيّة تتحسّس طريقها بصعوبة نحو الدّيموقراطيّة! الرّئيس الأب بالمعنى الشرقي البدويّ، هو العارف الأوحد بمصلحة العائلة، وهو مصدر الحكمة والأمر والنّهي والقرار الأوحد، وهو الوتد الّذي تقوم عليه خيمة العائلة، ومصدر رزقها وأمنها وهو الّذي يجمّع أفرادها ويمنع تشتّتهم أو تناحرهم!
في الدّيموقراطية الرّئيس ليس أبا ولا وليّا صالحا يجمّع النّاس، هو موظّف لدى الشّعب وانتهى. ينتدبه وفق شروط معيّنة، ويحاسبه على بنود العقد ويعاقبه عن أيّ إخلال. لن تسمع أبدا في فرنسا أو أمريكا أنّهم يريدون رئيسا يجمّع الفرنسيّين. سيكون من المضحك حقّا أن تقول لهم ذلك!
نريد رئيسا يحترم التوانسة.
نريد رئيسا يخدم التوانسة.
نريد رئيسا يعدل بين التّوانسة.
أمّا من يبحث عن رئيس يوحّد التّوانسة، فليذهب إلى بورقيبة في قبره أو إلى بن علي في منفاه، وليعلم أنّنا لسنا غبارا من بشر ولا قبائل متناحرة في شبه الجزيرة العربية تنتظر من يوحّدها.
#عبداللطيفعلوي

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock