في البدء.. كان المنبر جذع نخلة.. ولكن ؟
عبد القادر عبار
1. في البدء.. كان المنبر جذع نخلة.. ولم تكن العرصات مرمرية ولا قرانيت ولا رخام ايطاليا بل مجرد قامات من النخيل منتصبة في توازن ولم يكن السقف من جبس ولكن شبكة من جريد وسعف النخيل وأعواد الشجر وكان الفرش تراب الأرض.. ولكن كان الخطيب.. فقيها، يقطر علما، عليما بأحوال عصره.. فصيحا وبليغا.. مقاله في حاله.. يختصر فيبدع ويقنع فيمتع.. يرى الخطبة والوقفة المنبرية رسالة شريفة وأمانة ثقيلة مما جعل احدهم (عبد الملك بن مروان) يقول: “شيبني صعود المنابر.. أعرض عقلي على الناس كل أسبوع”.
واليوم.. تدخل مساجدنا فتنبهر بما ركز فيها من منابر الخطابة في شكلها وحجمها وزخرفتها.. إبداع عمراني وفني رائع فلا تتمنى لها إلا فرسانا في مستوى رونقها.. يهزونها هزا ويزلزلونها زلزالا.. ولكن للأسف فانه ظل لا يعتليها قبل الثورة غالبا الا العييّ والتبيع ومعلوم النفاق.. والرويبضة وبعد الثورة شهدت تحولا ولكنه لم يكن شافيا أو كما يقال لا يسمن ولا يغني من جوع.
2. خطبة الجمعة تضل فرصة رائعة للنهضة بالأمة ولحل مشاكل الشباب ولمعالجة الهموم اليومية للناس ولإصلاح القلوب وللتوعية والتنمية البشرية ولكن لا نرى أثرا ولا تأثيرا للخطب الرنانة التي يسهر الخطيب على تحبيرها ويرهق نفسه في تبليغها.. بحّ صوته بقوله اتقوا الله ايها الناس ولكن الناس لا يتقون… ومن غشنا فليس منا.. ولكن الناس يغشون.. وصلوا أرحامكم.. ولكنهم يقطعون.. وعاشروهن بالمعروف.. ولكنهم يظلمون. وكأنه ينفخ في الرماد ويحرث في البحر.. سيل هادر وهائل من الكلام الخطابي ينهمر في كل جمعة ولا حس له ولا قوة في ردع ولا إصلاح ولا تغيير.. فلو جمعنا كل خطب الجمعة التي تقام في يوم واحد فقط في كل أنحاء العالم وأردنا أن نستمع إليها فسنحتاج إلى 15 سنة متواصلة ! 15 سنة كاملة لسماع خطب جمعة واحدة فقط !
بينما خبر عاجل في قناة أو مقطع أغنية في سهرة أو جملة في حوار في بلاتوات الإعلام قد تغسل أدمغة.. وتغير قلوبا وتحدث حراكا.
3. قال احدهم ممن تستفزهم جمودية المنابر الجمعية وهو ساخط :”
يعلم الله أنني دائما ما أود ان اقفز من بين الصفوف لامسك بتلابيب الخطيب واقول اتق الله يا رجل.. فتجد المسلمين قد أحلت بهم أعظم المصائب وتجده يتحدث ربما عن السواك وفضله.. اتق الله ايها الخطيب واعلم بان الذين أمامك بني ادم لهم عقول وأحاسيس ومشاعر واذا لم تكن قادرا على اداء رسالتك على الوجه الاكمل فتنحى جانبا فالله سيرزقنا بمن هو افضل منك
• وعبّر آخر عن سخطه وقرفه مما كان يسمعه في خطب الجمعة التي كان يحضرها قائلا :
• كثيرا ما كنت أفكر بالخروج من صلاة الجمعه والسبب خطبتها ؟؟
• اذ للمرة الثانيه وعلى التوالي تكون خطبة الجمعه التي حضرتها في احد المساجد عن سور من القران الكريم فخطبة اليوم كانت عن سورة الاعلى والخطبة التي سبقتها كانت عن اية الكرسي… وللاسف تحس بانك في احد المدارس القرانية وفي درس من دروس التفسير.
انا لا اقلل من أهمية القران الكريم ومعانيه وما جاء به ولكن.. بأعتقادي انه عندما سنت خطبة الجمعة كانت لتدارس أحوال المسلمين اقتصاديا وسياسيا وعسكريا واجتماعيا وما يتعرض له المجتمع.
4. لماذا نلوم الناس على تهافتهم على القنوات والإعلام المتميز بجاذبيته صوتا وصورة واخراجا ومواضيع بصرف النظر عن صوابها من خطئها وجائزها من ممنوعها.. ونحن لا نقدم له إلا بديلا معتادا باهتا في صورته وعناصره ومضمونه ونتهم الاعلام بقوة وسوء تاثيره على الناس ونحن الذين جهزناهم له ليملأهم بما شاء.. بينما نحن لا نعطيهم ما يشتهون ولا ندغدغ فيهم ما يهمهم ولاما يشغلهم ؟
5. وان كنت لا تدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة اعظم