تدوينات تونسية

المنبر المقدَّسْ والإمام المفلِسْ

توفيق رمضان

أول مؤسسة أنشئت بعد الهجرة هي المسجد الذي مثل مصدر التوجيه الروحي والمادي من خلال دوره المحوري في حياة المسلمين وفي بناء الدولة الاسلامية.
كانت للمسجد وظائف عدة منها الديني باعتباره فضاءا لتأدية الشعائر الدينية والتقرب إلى الله، منها التعليمي التربوي وذلك بحلقات العلم داخله لتدارس الفقه وأصوله وحفظ القرآن ودراسة اللغة والأدب، كما مثل المسجد دارا للقضاء ورد المظالم وغرفة عمليات فيها تؤخذ قرارات الحرب وتعقد ألويتها، هذا دون نسيان الدور الاجتماعي فلأنه بيت الله كان بيتا لعياله الفقراء والمساكين من أهل الصفة الذين يبيتون فيه لأن لا مأوى لهم، فحتى الغنائم كانت توزع داخله.
الآن أصبحت هناك مؤسسات تشارك المسجد وظائفه التربوية التعليمية، الاجتماعية..الخ.
لكن بقي له دور مهم في التوجيه والاصلاح ومكافحة الارهاب بخطاب عقلاني فيه تجديد للخطاب الديني، من خلاله يتم نشر قيم التسامح والقبول بالأخر ونبذ الكراهية والعنف والتعصب والتكفير في تناغم تام مع أحكام الدستور المؤسس لدولة مدنية والمانع للتوظيف الحزبي والسياسي للمساجد في تطبيق للآية الكريمة «وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا».
سعت السلطة السياسية منذ الدولة الأموية إلى السيطرة على المنبر بتولية موالين لها منصب الإمامة ليخطبوا في الناس وللدعوة للعائلة بدوام الملك والدعوة على مخالفيهم ورميهم بالزندقة والكفر. منبر رسول الله ذلك الفضاء الصغير في مساحته والكبير في رمزيته وقدسيته وبعد أن كان كرسيا للمعرفة ونشر القيم العليا في زمانه اصبح أداة لتصفية الخصوم زمن الصراعات الكبرى حول الحكم قديما وحديثا فعمدت السلطة السياسية وفي اطار صراع ايديولوجي سياسي إلى تهميشه وافراغه من محتواه بتنصيب أئمة مفلسين معرفيا ولا يملكون الحدود الدنيا للخطابة والخطاب، وبالتالي يمكن توجيههم وتوظيفهم لخدمة اي مشروع تريد تمريره مقابل ملاليم معدودات وهنا يطرح السؤال حول المقابل المادي الذي يتحصل عليه ائمة المساجد والاطار المسجدي ككل هل تراه كافيا وحافظا لكرامتهم وحياديتهم ؟
ما تم نشره مؤخرا حول المستوى التعليمي للأئمة يثير الدهشة والاستغراب فأكثر من نصفهم لم يتحصل على شهادة الباكلوريا في بلد راهن على التعليم منذ الاستقلال والباقي لم يتعد مرحلة الابتدائي فكيف يمكن لأئمة بهذا المستوى تقديم مادة دينية محترمة وخطاب ديني مقبول يشد الناس ويحول دونهم واللجوء إلى شيوخ الفضائيات واسلام الدولارات والفتاوى على المقاس ؟ كيف لأئمة بهذا المستوى تشكيل الدرع الاول في مواجهة الارهاب بتقديم رؤية مغايرة تبين زيف شيوخ التكفير وجماعات الجهل المقدس وبطلان أسانيدهم ومنطلقاتهم ؟
بالعودة إلى ما يهدد بلادنا من مخاطر الانغلاق الفكري وتمدد الارهاب وشبكات التسفير يكون السؤال الجدير بالطرح هل المواجهة تكون بمثل هؤلاء الائمة الذين يدفعونك دفعا للنوم في خطبة الجمعة ؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock