تدوينات تونسية

كرسيّ الرّئيس الذي أذلّ النّاس

عبد اللطيف علوي

الشّعب التّونسي ضامر ياسر ومقعار، وما صدّق ربّي جاتو الفرصة باش يفرّغ المكبوت متع خمسين سنة في حاجة اسمها جدّ بو والدين الرّئاسة!
على قدّ ما عملولها قاوق وهالة وقداسة وربوبيّة، على قدّ ما الشّعب توّة شايخ عليها ويحبّ يطيّحلها قدرها ويشلّكها، ولو يجيبولوا كرسيّ الرّئيس يحطّوه في الشّارع نهار، توّ تراو آش يعملوا فيه! أكيد باش يعودوا يتراقصوا فوقوا كالقرودة، واللّي عندو صغيرو محصور يجيبوا يعمل بيبي فوقوا، واللّي عندو زبلة مالقاش وين يحطّها، يحطّها فوقو!!!
فمّه حاجة في اللاّوعي الجمعي للتّوانسة، وهي أنّ هذا الكرسيّ الّذي أذلّ النّاس، وكنتم تقولون لنا لا يجلس عليه إلاّ أشباه الآلهة، احنا اليوم جينا ننتقموا منه ونشلّكوه ونمزبلوه ونكسّروله وقاره وهيبته ونعملوه تكركيرة، لكي لا تعودوا إلى تقديسه مرّة أخرى، ولكي لا تقولوا لنا مرّة أخرى إنّ الآلهة هي وحدها من يجلس على ذلك الكرسيّ!
أنا والله العظيم في منتهى السّعادة والشّماتة، أن أرى كلّ هؤلاء البسطاء والمجانين والسّكارى والعاهرات والمساطيل والمتشرّدين، يتجرّؤون على مقام كرسيّ الرّئاسة، وشايخين عليه بالتّرشّحات البذيئة والفذلكة والتّمقعير والضّمار، 

سعدت كثيرا وأنا أرى صاحب التّبّان الأزرق يهنتل مقام الرّئاسة، وسعدت أيضا بذلك الفنّان المتشرّد الّذي خرج من صفيحة القمامة ليرمي ورقة ترشّحه، وسعدت كذلك لأولئك الّذين جاؤوا يهرّجون وينكّتون، واحد يقول باش نحلّ القضية الفلسطينية والأخر يقول باش انّحّي الفساد من العالم، والآخر يقلّك باش نسكّر حوانت الأحزاب والآخر يقلّك باش نكريها تونس بالنّهار!!
الجميع كأنّهم اتّفقوا على شيء واحد: الرّئيس هو بشر مثلنا، ياكل ويشرب ويتحصر ويمشي لبيت الرّاحة ويقنزح كيما عباد ربّي الكلّ، ويتعفّن الطّعام في بطنه ويضرط، مثل كلّ العالم، ويمرض ويكحّ ويعطس ويتقيّأ مثلنا، ويصدق ويكذب ويخطئ ويصيب وينسى ويضعف ويكبر ويخرف مثلنا جميعا، فلماذا إذن أردتم أن توهمونا خمسين عاما إنّ الرّئيس هو أكبر بكثييير من مجرّد بشر، وأقلّ بقلييييل من مقام ربّ العالمين!!!

في تقديري هذا أجمل ما يحدث الآن في مشهد التّرشّحات للانتخابات الرّئاسية، مشهد من أروع ما يمكن أن نراه في بلد يتنفّس حرّيّة وأحلاما وجرأة على كلّ مقدّسات الاستبداد وثقافة الاستبداد!
فليترشّح الجميع، بالآلاف وبالملايين، وليحتفلوا وليرقصوا وليلتقطوا الصّور وهم يتجرّؤون على الصّنم الأكبر، وليعلم العالم أنّ هذا الكرسيّ تحت أرجلنا وليس فوق رؤوسنا، الجالس عليه خادم للشّعب وليس سيّدا، وأنّه ليس أكرم ولا أجلّ ولا أعظم من كرامة أيّ شخص فينا، مهما كان مستواه وشكله ولونه وفكره…
بحسّهم الشّعبي الفكاهي البسيط، بمرحهم وسخريتهم وضمارهم وتمقعيرهم، هم الآن بصدد تحطيم الخوف والقداسات الكاذبة، إلى الأبد،
والحمد لله على نعمة الحرّيّة!

#عبداللطيفعلوي

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock