تدوينات تونسية

إشارات سريعة أو نصائح لوجه الله

أبو يعرب المرزوقي

بعد أن تأكد أن شورى النهضة حسمت الأمر بما يقتضيه العقل السليم والحكمة الاستراتيجية التي تفكر في تونس وفي مستقبل شروط القوى السياسية السوية في بلد يسعى إلى تأسيس ديمقراطية فتية تتخلص من “الاصول التجارية” التي تسمى أحزابا والتي فرخت بما لا يقبله عقل سليم أود تقديم إشارات سريعة للفواعل التي تحرك الحياة السياسية لأي جماعة تريد أن يكون لها دولة مستقلة يحكمها القانون المطبق على الجميع سواسية.
• الإشارة الاولى:
باختيار النهضة خوض انتخاب الرئيس صارت قوة سياسية طبيعية قبالة ما يناظرها في الشق الثاني من الحركة الوطنية. فهي تقريبا استئناف التأصيل بعد استيعاب علاقته بالتحديث والحزب البورقيبي إذا اتحد يمثل التحديث بعد استيعاب علاقته بالتأصيل. فأصبح لتونس قوتان قادرتان على التداول أو التعاون لقيادة تونس إلى بر الأمان. والنصيحة أوجهها للذين كانوا يتصورون أن فرصة تقاسم قاعدة النهضة لكأنها “رزق لبلا موالي” عليهم أن “يمصمصوا” وأن يكرموا لحيهم بأيديهم فينسحبوا من السباق أو يكونوا مجموعة ثالثة أو على أقصى تقدير مجموعتين اخريين وأن “يفرقوا الحضبة”.
• الاشارة الثانية:
إذا فهم شقا الحركة الوطنية -أي الثعالبية الجديدة والبورقيبية الجديدة المتصالحتين- دورهما التكاملي ولم يواصلا سخافة الاستثناء المتبادل فعليهما أن يحولا دون توظيف أجهزة الدولة في العملية الانتخابية. والنوع الاول والاخطر من أجهزة الدولة التي كان النظام الاستبدادي يستعملها هي الاجهزة التي تتبع السياسي من وظائفها (أي الدفاع والداخلية وما يتبعها من أدوات مثل الاستعلامات والولاة والمعتمدين والعمد).
• الإشارة الثالثة:
والنوع الثاني من أجهزة الدولة التي كان النظام الاستبدادي يستعملها هي الاجهزة الخدماتية من وظائفها (مثل الإدارة والبلديات). وأن يقتصر دور هذه الأجهزة الثانية مثل تلك الاولى على تسيير شؤون الجماعة والدولة بصرف النظر عمن يختاره الشعب ليحكم أو ليعارض. فالانتخابات تختار من يحكم وكذلك من يعارض أي من هو أقرب لأن يحكم بعده وذلك هو معنى سيادة الشعب ومن يمثل الشعب في أجهزة الدولة هو في خدمة إرادة الشعب ومن يختاره لتمثيله وينبغي أن تبقى محايدة كما هي الحال في البلاد الديموقراطية.
• الإشارة الرابعة:
تخص المنظمات الاجتماعية أعني النقابات بصنفيها نقابات العمال ونقابات أرباب العمل. فهم إذا تدخلوا في السياسة أفسدوها. الاولى بالشعبوية النقابية التي تفسد شرط قيامها أعني العمل نفسه. كما حدث في السنوات الثمانية التي مرت. والثانية تفسد سرط عدلها أعني “مفيزة” تمويل الانتخابات كما حدث في الانتخابات السابقة.
• الإشارة الاخيرة:
وأتكلم على ما لا يمكن ألا يكون له دور ما في الانتخابات بسبب دوره في توجيه الراي العام في كل جماعة حرة. ولا مانع منه إذا كان علنيا وفي حدود ما يخوله القانون المتعلق بحرية التعبير وبحرية البحث العلمي والاجتهاد القيمي: وأعني كل المنظمات ذات الوظيفة المتعلقة بالخيارات القيمية سواء كانت من الحقوقيات أو من الروحيات أو من العلميات. فمن حق الجمعيات الحقوقية أن تدافع عن قيم بصورة عامة دون أن توظفها لصالح قوة سياسية معينة ومثلها بالنسبة إلى الجمعيات الدينية أو الثقافية. فهذه المنظمات تنتسب إلى حرية التعبير ودور الجماعة في تحديد خيارات الجماعة الأسمى من السياسي بشرط ألا تتجاوز وظيفتها التعبيرية بصورة عامة والا تتحول إلى أدوات دعاية لزيد أو عمرو.
وأختم مرة ثانية بالقول إن من كانوا ينتظر تقاسم قاعدة النهضة عليهم أن يمصمصوا نهائيا لأن الأستاذ مورو يجمع بين التأصيل المستوعب للتحديث (أو الثعالبية الجديدة) وآمل أن يختار الحزب الند من يماثله ممن يجمع بين التحديث المستوعب للتأصيل (أو البورقيبية الجديدة) حتى يتحقق نوعا العمل المخلص لتونس من مآزقها:

  1. فإما مواصلة ما يسمى في السياسة بالحلف الكبير بين القوتين الحاكمة والمعارضة في حكم جبهوي حول برنامج انقاذ لتونس وتحقيق شروط الانتقال الديموقراطي الذي يوصلنا إلى منطق التداول السلمي.
  2. أو إن كان النضوج قد حصل أن نبدأ بمنطق التداول من الأن وأن تصبح تونس فعلا بلدا ديموقراطيا يمكن أن يحقق الاستقرار وأن يتخلص من “الاصول التجارية” التي أنشأتها المافيات للقضاء على شروط نجاح الثورة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock