تدوينات تونسية

وللسّاحل الشّماليّ نصيبه

سامي براهم

عدت من مدينة طبرقة بعد أيّام بنفس الانطباع الذي عدت به في زياراتي السّابقة، المدينة السّاحليّة الصّخريّة الجبليّة التي حباها الله بأجمل المظاهر الطبيعيّة “البحر والجبل والغابة …” هي من المناطق المهمّشة التي لم تتغيّر كثيرا عمّا تركها عليه الاستعمار الفرنسي، بنية تحتيّة مترهّلة، مرافق وخدمات ضعيفة، استثمار سياحيّ مشوّش بدون تخطيط ورؤية تكامليّة،
كان يمكن أن تكون هذه المدينة الفاتنة مركزا من مراكز التنمية المنتجة التي تمتصّ البطالة وتنهض بالمنطقة وتحوّلها إلى قطب ثقافي وسياحي ورياضي وترفيهي وعلامة مسجّلة للصّناعات التقليديّة والحرف اليدويّة.
لكن سياسات الدّولة المشوّهة القائمة على التمييز بين الجهات والطبقات والسّواحل اقتضت الإغداق على ساحل هو مسقط رأس المتنفذين في الدّولة وأصحاب القرار السياسي والاقتصادي فيها.
تنطبق هذه المحاباة والمحسوبية الجهويّة على مدن وأرياف ساحليّة أخرى في باجة وبنزرت والمهديّة وصفاقس وبن قردان، وتكشف أنّ الفرز على أساس سواحل ودواخل ليس دقيقا، بل هو فرز على قاعدة تحالف انتهازي بين رجال السّلطة ورجال المال قائم على قطع الطّريق على تنمية جهويّة عادلة ومتكافئة بشكل يشعرك وأنت تنتقل من مدينة لأخرى أنّك تنتقل من بلد لآخر أو من نمط عيش لآخر.
لم تتمكّن الثّورة بعد من تغيير شيء معتبر من أجل تعديل اختلال الميزان التنويّ رغم ما وفّرته من مناخات وعي وفهم وإدراك وتفكير وتحرير للمبادرة، ستبقى هذه الجهات علامة على القصور التنمويّ لدولة الاستقلال رغم عدالة الطبيعة في توزيع خيراتها ومواردها، وسيبقى الاستثمار في مواردها أمل البلد لتجاوز الفقر والتّهمش والحرمان وضعف مؤشّرات التنمية والرّفاه والعيش الكريم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock