مقالات

كيف صمد رؤساء تونس أمام الغلمان ؟

نصر الدين السويلمي

عندما نتمكن من تكوين صورة واضحة على قوة المال الإماراتي ونفوذ محمد بن زايد وغرفته وحاشيته، ونوعية اللوبيات التي يملكها والتي دخلت على الخط حتى خلال الانتخابات الأمريكية الاخيرة، والتي تمكنت من شراء الجيش المصري ليتحول الى وحدة خاضعة لأوامر القيادة المركزية في ابو ظبي، وعندما نرصد عدد الدول التي وصلتها اصابع الامارات ونتابع بدقة الخطة التي رسمها محمد بن زايد لتغيير وجهة المُلك في المملكة العربية السعودية، ونزعه من آل سعود وإسناده إلى آل سلمان، وانتاج توليفة جديدة يكون المُلك فيها للابن وليس للأخ، وكيف اقنع بن زايد الادارة الامريكية بذلك وانتزع منها الموافقة نسف تقاليد رعتها لعشرات السنين، حينها نوقن ان صمود تونس وقيادتها أمام هذا الغول المدجج بالمال والنفوذ العابر لم يكن بالصمود الهين السهل، بل كان أقرب الى المعجزة.
أما الرئيس المنصف المرزوقي فقد عول على العناد و”الرجْلة” وتعامل معهم تحت شعار “يا قاتل يا مقتول”، ومضى إلى ابعد من ذلك حين تبنى شعار “لا حوار لا تفاوض لا اعتراف بالعدو”، في معركته ضد حكام ابو ظبي لم يعترف المرزوقي بموازين القوى ولا هو ركن إلى المصالح المشتركة ومرر بعض رغبات الطاعون وتغاضي عن البعض الآخر، يخيل إلينا أنه خاض المعركة تحت شعار “النار ولا العار”، وفعلا أخلص الرجل وقديما قالت العرب الإخلاص سبعة أعشار النجاح.
في الحقيقة كانت مهمة المرزوقي أسهل من مهمة السبسي، لأن غرفة العمليات التي أسسها بن زايد وانتدب لها عتاة الخونة العرب، كانت من الاول غير مستعدة لجس نبض المرزوقي ولم يجل في خاطرها ان تساومه او تغازله، كانت تدرك انها امام شخصية ملفوفة في برنصها ملفوفة في نضالها ملفوفة في ثقافتها ملفوفة في يوسفيتها ملفوفة في اصلها الصحراوي، قطعة من الصخر الاصم لا مداخل لها ولا ثغرات، ما شكل لدى صاحبها طبقة من الكبرياء تجعله دائم الاحتقار للشخصيات المنحوتة من النفط، كانت لدى المرزوقي قدرة على التمييز بين الوجاهة العلمية والوجاهة النفطية، طبعا يتعلق الأمر بالنفط الحرام وليس بالنفط الحلال.
كانت مهمة السبسي صعبة جدا، لان الرجل وقبل 2014 مد لــ ابو ظبي في حبال الوعود وتلطف معها وصادقها وداعبها وتقرب منها.. حتى لا نطيل وصل الأمر بــ ابو ظبي بعد نجاح السبسي في الانتخابات ان غلّقت الأبواب وقيلت هيت لك.. قال الباجي معاذ الله! وربما قال لها اعوذ بالله، قالت “تو عرفت ربي” ثم اضافت، وماذا عن شهور العسل والسيارات السوداء والهدايا والغزل، نشعر بما تشعر به أبو ظبي، لقد هدها الإحساس بالخيبة، ورغم انها ماكرة، لكنها تنكبت ووضعت بيضها في سلة تونسية، تحطي البيض! الحجر وما يتحطش في علايڨ التوانسة!!!
اذا كان المرزوقي احتقر الغلمان نتيجة كبرياء النضال والثقافة، فان السبسي احتقرهم نتيجة كبرياء السلالة البلدية والسلالة التونسية، كان السبسي سليل عاصمة التقاليد ومن رحم الحضر ومن حجر البايات، تلك عوامل نكرهها نحن ابناء الوبر، لكنها تنفع بقوة وبشدة حين تواجه سلالة خبيثة من أجلاف الأعراب العراة الذين ستروا أنفسهم بقطران النفط فبدت عوراتهم أكثر قتامة، لو تركوها الى الطبيعة لعل الناس لا تنكر عليهم وتعدّهم من الدواب.. ايها المجرمون، من فرط قبحكم دفعتمونا إلى التغزل بالبرجوازية، ونحن الذين استهلكنا جميع طفولتنا، وكنا خلالها لا نصدق أن على هذه الأرض من يشرب “ڨازوزة” لوحده و يأكل لحمة بمفرده! انت وخواتك.. لڨشة لڨشة.. جغمة جغمة، والويل ثم الويل لمن يحيف.. ولِّي ينتش مرتين في جرت بعضهم يكشفو ربي، ولِي يشرب جغمتين يدڨو سيدي النبي.. هكذا كانت الام تمارس سلاح الردع الروحي.
نذكر جيدا كيف تغيرت لغة الإعلام الإماراتي عقب لقاء باريس، لكن الداهية المخضرم كان يمد لهم في الامل، كلّما يئسوا، منحهم حلاوة اللسان فيدب الأمل في مفاصل ثورتهم المضادة، كان يداعبهم، يُقْبلون فيعرض يذهبون فـ”يبسبس”، عاشوا على أمل أن يفتح لهم تونس في وجه ثورتهم المضادة، والاغبياء لم يكلفوا انفسهم اطلالة بسيطة على تاريخ تونس، وإلا لوجدوا أن المسلمين الذين حملوا الإسلام وما ادراك ما الإسلام، فتحوا هذه البلاد 20 مرة، ولما يئسوا جلبوا اسرهم واستقروا في تونس، وكأنّ أبو ظبي اصابها الله بالإمام علي، حتى اذا ارسلت من يقطع عليه الطريق اصابها بمعاوية، أما علي فقد يئست منه كما يئس الكفار من اصحاب القبور، وأما معاوية فقد حرق بشعرته ثلاثة ارباع اعصابها، وترك لها الربع الأخير، فهي تدير به شؤون مصرها ويمنها وطبرقها.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock