تدوينات تونسية

لهذا تستعصي النهضة على خصومها

عبد القادر الونيسي

تهاطل آيات الثناء على حركة النهضة من الخصوم التقليديين داخل الوطن وخارجه يعد سابقة لم تعرفها على مدار تاريخها السابق.
الوضع المريح الذي أصبحت عليه داخليا والقبول بها خارجيا كان نتيجة لكدح ومغالبة رسمت بها الحركة طريقا طويلا وشاقا تحت قصف كثيف وعنيف.
ولعل الإختراق النوعي الأخير في العلاقة بفرنسا صاحبة النفوذ الواسع على آلة الحكم في تونس يمثل إنتقالا استراتيجيا سيمكن النهضة من لعب الدور المركزي في آلية الحكم مستقبلا.
الصبر والمكابدة اللذان تحلت بهما الحركة وحرصها على المصلحة العامة وتفويت الفرصة على من يطلبون رأسها ثم لهشاشة خصومها أقنع آخر المترددين أن النهضة هي وحدها القادرة على ضمان الإستقرار في البلاد.
الإستقبال الذي حظي به السيد راشد الغنوشي من أركان الدولة الفرنسية يتقدمها رئيس مجلس الشيوخ ثاني رجل في السلطة تعد سابقة لرئيس حزب ليس له صفة الدولة.
استفادت الحركة من هجرتها الطويلة لتأسيس علاقات دولية مترامية في إتجاه الشرق والغرب.
بدأت بالجوار فتقاربت من الجزائر في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد واستطاع الشيخ راشد أن يمد علاقة مع بقية أركان الدولة حتى إذا سقط بن جديد بقي الرباط مع أصدقاء من قدماء جبهة التحرير الماسكين بالدولة.
بوصول بوتفليقة إلى سدة الحكم عادت العلاقة كأقوى ما تكون للرباط الشخصي الذي يشد الرجلين وكذلك للدور الذي لعبه الغنوشي في تقريب الشقة بين الفرقاء الجزائريين لإسناد مشروع المصالحة الوطنية في الجزائر.
العلاقة مع ليبيا في عهد القذافي لم تكن سيئة إلا في سنواته الأخيرة لحجم الضغط الذي مارسه بن علي على صديقه الليبي.
حافظت الحركة على علاقات متينة مع حكومة الوفاق الوطني صاحبة النفوذ في الغرب جنب بلادنا مآسي كثيرة كانت ربما تعصف بإستقرارها.
العلاقة مع المغرب بدأت بإختراق فكري متميز لطلبة النهضة للساحة الطلابية هناك أفصح فيها بعد عن علاقة فكرية قوية مع من هم اليوم في سدة الحكم.
مع السعودية استطاع الشيخ عبدالفتاح مورو أيام هجرته في الثمانينات ربط علاقة شخصية مع العاهل السعودي فهد بن عبد العزيز تضررت عند الإجتياح العراقي للكويت وإنتصار الحركة لصدام.
لكن سرعان ما تم إستئنافها مع شقيقه عبدالله لكن بعد عتاب لم يخفه السعوديون.
العلاقة الآن غير مقطوعة إذ حرص الملك سلمان عند تنصيبه على لقاء الشيخ راشد بثته وسائل الإعلام السعودية بل تم حتى الحديث عن وساطة بين الإخوان والنظام المصري.
دخول الإمارات على الخط وعودة الأمر إلى بن سلمان أفسد العلاقة إلى حد كبير دون قطع شعرة معاوية.
أفلحت الحركة إلى حد بعيد في مد علاقات مع النخبة المصرية وخاصة مع المعارضة زمن مبارك لكن عجزت في الوصول إلى دائرة الحكم إلا في الفترة القصيرة التي حكم فيها مرسي قبل الإنقلاب عليه.
دون الحديث عن العلاقات التقليدية مع تركيا وقطر أو العلاقات ربما الأقل أهمية مع دول شرقي آسيا وبعض الدول الأوروبية كألمانيا وبريطانيا.
وفقت الحركة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مد علاقات غير قليلة مع بعض أعضاء من الكونغرس خاصة من الديمقراطيين ثم طورت علاقاتها مع الأكاديميين وبعض الإعلاميين واقتربت من بعض دوائر الضغط.
رجوع الديمقراطيين إلى الحكم سيمكن الحركة من إستئناف هذه العلاقة وربما ستصبح الوسيط الأمثل في إيجاد تفاهمات بين الإدارة الأمريكية والحركات الإسلامية المعتدلة.
لهذه المقدمات وغيرها تستعصي النهضة على خصومها يوما بعد يوم.
والله من ورآء القصد

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock