تدوينات تونسية

الدوّيخة

الطيب الجوادي

في ترتيب الشخصيات المهمّة في ريفنا الكافي البعيد
نجد العمدة في الصدارة ثم رئيس الشعبة ثم البرني الأعور
والحقيقة أن البرني لعور يفوق العمدة ورئيس الشعبة وأعوان الحرس ومؤدب القرية والممرض في أهميته وجدواه
لأنّ البرني الأعور هو الموزّع الرسمي والحصري للسعادة في ريفنا الكافيّ البعيد، فهو الذي يبيع للقرويين الخمر خلسة ! وبدون خدماته تتحول قريتنا إلى مفازة موحشة يُصفّر فيها الرّيح، ولا تُحتمل فيها الحياة !
حرفاء البرني الأعور من كلّ الأصناف، وباستثناء عم سعيد المدّب، يصرّ صاحبنا أن الجميع يقتني منه الخمر خلسة “بالكريدي” او مقايضة، خروفا، بضع دجاجات، شكارة قمح،، وهو يقبل بيع الخمر نقدا أو مقايضة او بالكريدي، ويهدد من لا يؤدي ما عليه في الآجال المتفق عليها بأن يفضحه في الدوار.
ففي ريفنا الكافي البعيد، يشرب الناس الخمر ولا احد يقرّ بذلك، إذ تتم معاقرة بنت العنب في جلسات سرية مغلقة تمنع على الأطفال وعلى الغرباء.
عيب القرويين في ريفنا البائس، أنّهم لا يشربون باعتدال، إمّا سكر مطبق حتى يتحول الديك حمار او إمّا فلا، وكان من العادي ان نرى أحدهم يترنّح فاقدا السيطرة على نفسه وهو يشتم ويلعن فنقذفه نحن الأطفال بالحجارة ونجعل منه مسخرة.
سألت المنصف ولد عمّي يوما:
– علاش الناس لكل تحبّ الدوّيخة؟
أجابني بنبرة من جرّب وخبِر
– آه يا الطيب ولد عمّي، كي تشرب الدوّيخة تولي كينّك بورقيبة والا الباهي الأدغم، تحكم في تونس لكل، وتنسى الفقر والميزيريا والعرا والڤرا، وحتى زينة الشّقحة تولّي أشبّ من التوريستيكاية.
– نحبّ نجرّبها ما يسالش؟
– وكي تفيق بيك يمّك؟
– نجرّبها ونبات نا وياك في المعمّرة وحدنا ما يفيق بينا حد، نحب نولي كي بورقيبة، ونحس روحي توريست.
– باهي دبّر ألفين تو نجيبلك الدوّيخة الخضراء.
وكان عند وعده.
انتبذنا مكانا قصيّا بعيدا عن الأنظار، تسارع وجيب قلبي، غمرتني مشاعر الخوف والندم، فتح المنصف ولد عمّي القارورة الاولى وصب السّائل في حلاب اللبن فأحدث كشكوشة بيضاء مثل الثلج.
سألته بنبرة تكشف مدى تردّدي:
– مشّو حرام اللي نعملو فيه؟
قذف بالسائل في جوفه وغمغم:
– يحرّم جلدك، نايا ما نحفظ كان سورة الإخلاص ما فيهاش اللي الدوّيخة حرام
—-
سيرة الطيب ولد هنية الجزء الثاني
[تطبع بعد الصيف]

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock