مقالات

حقائق قد تصدم بعض الأمازيغ !

عبد السلام أجرير الغماري

بصفتي تخصصتُ سابقا في التاريخ وتخرجت من “شعبة التاريخ والحضارة” من جامعة محمد الأول بوجدة، وتتبعت هذه الأمور المتعلقة بالقضية الأمازيغية ولا أزال؛ لأنها تتعلق بثقافتي وأصولي، ولكونها قضية حساسة وتعزف على وتر القومية والوطن، أقول:
لا وجود لشيء اسمه “السنة الأمازيغية”، على الأقل قبل 1970 على أبعد تقدير، بل هي السنة الفلاحية أو السنة الأعجمية… (والعجم غير البربر في العرف والاستعمال). فكل ما نجده في تاريخنا الأمازيغي (البربري) هو الاحتفال بالسنة الفلاحية المرتبطة بالأرض والفلاحة، وليست مرتبطة بأسطورة الفرعون شيشناق أو شوشنق…
 لا وجود لاسم “الأمازيغ” بمعنى سكان شمال إفريقيا في كتب التاريخ: لا الكتب الإسلامية ولا العربية ولا الرومانية ولا اليونانية ولا القوطية ولا الوندالية ولا المصرية… بل اسمهم في كتب التاريخ هو “البربر” أو “الليبيون” أو “الإثيوبيون” أو “الفينيقيون”… وكل هذه التسميات هي لفروع من البربر وليس كل البربر. ولعل أقدم من ذكر كلمة “أمازيغ” بلفظ صريح هو ابن خلدون، حيث نسب بعض البربر (وليس كلهم) إلى مازيغ بن كنعان… فأول مصدر ترد فيه كلمة “أمازيغ” عربي إسلامي، ولكن متعصبي الأمازيغانية لا يعجبهم هذا.
أما قبل ابن خلدون فألفاظ تحتمل وتحتمل، وليست صريحة، والصريح هو البربر.
وقد نسب البربر أنفسهم لهذا الإسم واعتزوا به، كما نجده في كتاب “مفاخر البربر”.
لكني أستحسن أن اطلق لفظ “الأمازيغ” بدل البربر؛ لأنه هو المنتشر الآن، ولا مشاحة في الاصطلاح.
لا وجود لحرف إسمه “التيفيناغ”، بل هذه الحروف جلها أنشئت إنشاء، وجدوا بعض الخربشات عند الطوارق، (حوالي 8 رموز، وليست حروفا) ثم نسجوا على منوالها واخترعوها، وكتبوها من اليسار إلى اليمين، مع أن هذه الرموز الطواريقية الصحراوية كانت توضع من فوق إلى الأسفل.
هذا كله مع أن أجدادنا الأمازيغ كتبوا الأمازيغية بالحرف العربي وكفى، مثلهم مثل العجم من الترك والهند والكرد… كلهم تبنوا الحرف العربي، وهناك مخطوطات في التفسير والشعر والعقيدة والفقه بالأمازيغية بالحرف العربي… فلماذا تم العدول عنه لحرف مختلق أو فيه اجتهاد وتكلف في تفسيره؟! فالحرف مجرد وسيلة، ولن تفقد الأمازيغية قيمتها إن كتبت بالحرف العربي، بل ستصل الماضي بالحاضر وتحافظ على تراث الأجداد المكتوب به.
وأقدم حرف كتب به البربر بالاتفاق هو الحرف “الليبي الفينيقي” (Lybeco-Berber)، (وليبيا في الاستعمال القديم تعني إفريقيا)، ولا يزال الخبراء حائرين في فك ألغازه لحد الساعة؛ لأنه ثنائي الوضع (Bilingue)…
وأتحدى أي شخص يعطيني مصدرا قديما يطلق لفظ “أمازيغ” على البربر اطلاقا صريحا، أو أن يأتينا بأحد من المتقدمين سمى هذه السنة الفلاحية بالسنة الأمازيغية وربطها بشوشنق، أو أن هناك كتابا ألف بهذه الحروفة التيفيناغية، سواء من العرب أو من العجم أو من البربر، كل هذا لا وجود له…
أما في وقتنا هذا فالأمازيغ يستعملون لفظ “تمازيغت” بمعنيين: بمعنى الكلام واللسان، وبمعنى الأرض، وقد يكون هذا قديما في الاستعمال بين أجدادنا، لكنا نتحدث عن المصادر المدونة التي أرخت لشعوب شمال إفريقيا.
إذن جل هذه المعطيات أوهام، وبعضها أنشئ إنشاء من العدم من قبل أعداء الأمازيغ الذين تزعمهم الصهيوني الفرنسي “جاك بينيت” (Jacques Bénet) حامي الظهير البربري الفرنسي الذي فرضته فرنسا على المغرب للتفرقة بين الأمازيغ والعرب، فرفضه الجميع في عام سمي بـ”عام اللطيف”، و”جاك بينيت” هذا هو منشئ العلم الأمازيغي بمباركة بعض متعصبة الأمازيغ، وهو مؤسس الأكاديمية الأمازيغية التي سيتولد عنها الكونجريس الأمازيغي فيما بعد…
كل هذا يقع ضدا على إرادة الأمازيغ الذين يشكلون أكثر من 80 في المائة من سكان المغرب الكبير، وخاصة المغرب الأقصا، وجلهم يتكلم اللهجات العربية الآن، ولكن لو رجعوا للجذور وجدوا أن غالبيتهم من أصول أمازيغية، فكيف يقصى هؤلاء من أصلهم الأمازيغي وحقهم في ثقافتهم الأمازيغية لسبب وحيد وهو عدم إتقانهم لإحدى اللهجات الأمازيغية؟!
فكل من لا يملك سندا ووثيقة تبين أصوله العربية في شمال إفريقيا فالأصل فيه أنه أمازيغي حتى يثبت العكس، سواء تكلم اللهجة الأمازيغية أو تكلم اللهجة العربية؛ لأن جل الأمازيغ قد تبنوا العربية لغة للتخاطب ونسوا لهجاتهم القديمة، كما تبنى قبائل الإفرنج (Les Franges) اللاتينية عندما هاجروا من شمال أوربا واستقروا في بلاد الغال “La Gaule ” (فرنسا حاليا)، أما هم في الأصل فجرمان لا علاقة لهم باللاتين…
إن “العواطف عواصف”، البعض عندما يسمع هذه الحقائق يصدم فيتهجم علينا بدل أن يثبت عكسها بالمصادر والحقائق التاريخية…
يتحسر الإنسان عندما يرى أناسا يريدون أن يحيوا أمورا مخالفة لثقافة الأمازيغ الحقيقية، فيحصرون تاريخ شعب عظيم في مجرد لبس الجلود وأكل الكساكيس والعصيدة وصبغ الأجسام ووضع شعر المعز على الرأس… الثقافة يا سادة أعظم من هذه الأمور البيدائية؛ الثقافة هي كل ما يعبر عن شعور وروح الإنسان ورقيه…
إن ثقافة الأمازيغ (أو البربر) ثقافة اختلطت وامتزجت فيها ثقافة مجموعة من الشعوب (حوالي 7 قوميات متعاقبة على شمال إفريقيا)، آخرها الشعوب الإسلامية، فتولدت ما نراه اليوم من ثقافة فريدة في شمال إفريقيا، فهذه هي الثقافة الأمازيغية ولا مزيد عليها. ومن أراد أن يخترع شيئا لا أصل له فله ذلك، لكن لا ينسبه -رجاء- لنا ولأجدادنا الأمازيغ بهتانا وزورا، بارك الله فيكم.
ملاحظة:
لمن لم يعجبه كلامي هذا أقول: قبل أن تسبني أو تتهمني أو تتهكم علي… اذهب وابحث وأتني بما يدفع هذا التحدي الذي أعلنته، وأجبْ عن هذه الإشكالات بعلم وإحالات لتنورنا وتنور جميع الناس، وبعدها أعاهدك أمام الله تعالى وأمام الناس بأني سوف أتراجع عن أي مسألة يتبين لي خطؤها.
والله الموفق للصواب.
تجدون هنا أيضا مجموعة من المنشورات والمقالات التي كتبتها في الموضوع مما له صلة بالقضية الأمازيغية:
https://web.facebook.com/abdossalamajrir/…/10156130103938364

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock