مقالات

من هو الأحمق ؟ هل هو ترامب أم العملاء من العرب ؟

أبو يعرب المرزوقي

لما دعا ملك السعودية لقمم ثلاثة وأولها الخليجية ظننت -وبعض الظن اثم- أن الرجل “رجع له شاهد العقل” بعد أن ضاقت الدنيا بما رحبت وفهم أنه أساء التحليل عندما توهم أن الحلف مع إسرائيل وأمريكا سيحميه ويعمي نظامه اسرته حتى لو كلفه ذلك دفع الجزية والإهانة التي لا تحترم حتى النفاق الدبلوماسي ومظاهره.
وقد ظنوا أن حشد ترومب لأساطيله وجيشه كان لأجل حمايتهم فإذا ما حصل خلاله لم يحصل مثله قبله إذ إن ضرب الناقلات وخطوط الإمداد سابقة لم نر مثلها من قبل وهو ما يعني أن إيران أرادت أن تثبت لهم أنها في الحقيقة هي حليف أمريكا واسرائيل الأمين وليس هم بدليل سكوت أمريكا وإسرائيل على الضربتين.
وكثيرا ما حاولت إقناع النخب العربية التي تتصور إيران عدوة أمريكا وإسرائيل وأنها تساعد الفلسطينين بسذاجة هذه الرؤية وبدهاء إيران التي حققت نجاحين لا مثيل لهما في الاستراتيجيات السياسية:
1. فهي تصنع الأرهاب وتضربه به وتنجزه بأيد سنية لتشويه الإسلام.
2. وهي تتحالف مع أعدائهم وتزايد عليهم في مقاومته بالأقوال.
وكنت أفهم أن يبحث الخليجيون عن حلفاء بسبب ثروتهم وضعفهم الديموغرافي و”الحضاري” بمعنى أن ما يسمى بالدول العربية فيه -وهي محميات وليست دولا- شديدة الهشاشة وليس لها قدرة عسكرية يعتد بها. فالقدرة العسكرية ليست باشتراء السلاح بل بكفاءة الرجال وعقيدتهم الدفاعية وكلتاهما شبه منعدمة إذ حتى في اليمن فهم قد اضطروا لاستعمال المرتزقة.
ولا يوجد مرتزق في العالم يحارب بعقيدة. فهمه أن يحافظ على حياته ليستفيد من أجره ومن ثم فهو أميل لإطالة الحرب وعدم الحسم وتجنب الخطر ما أمكن له ذلك. وفي هذه الحالة فهو لن يضحي من أجل مستأجره. وفي هذه الحالة كذلك لا يمكن التصدي لجيش معاد ذي عقيدة وطامع في احتلال أرض لامتلاك ثرواتها. وكلها دوافع مغرية بالغزو فضلا عن كون هذا العدو يحركه الثأر من العرب والإسلام الذي هو المحرك الأساسي لغلاة الباطنية لاسترداد مجد فارس.
ومن مبادي اختيار الحلفاء ألا يكون الحليف أكثر طمعا في ما عندك من العدو وألا يكون العدو من أدواته في حربه عليك لأخذ ما تملك. وفي هذه الحالة فإن إسرائيل وأمريكا يطمعان في ما عند الخليجيين مثل إيران ويضخمون قوتها حتى يلجـأ الخليجيون إليهما وكأنهما يسعيان لحمايتهما من هذا الغول وهو مصدر الحاجة إليهما.
ولما كانت هذه الاستراتيجية الإسرائلية الأمريكية ليست خفية حتى عن أغبى إنسان فإني اعتقد أن حكام الخليج المحتمين بهما لا يمكن أن يجهلوا ذلك. ومن ثم فعدوهم الذي يطلبون الحماية منه ليس إيران بل شعوبهم وخاصة بعد أن بدات الثورة -كما هو بين في حربهم اليمنية لأن من قوى الحوثي والطالح ضد ثورة اليمن هو هم. بحيث إنهم هم الذين يمكنون لعملاء إيران في الحرب الأهلية العربية الحالية.
وإذن فينبغي اعتماد هذا الفهم ما يجري حقا وتحديد طبيعته: فله وجهان :
1. الأول هو الظاهر وهو الإيمان بالحرب الممكنة بين أمريكا وإيران وهذه خدعة استراتيجية خاصة وترومب مقبل على حملة انتخابية ثانية ولا يمكنه أن يغامر بحرب وإيران تحتضر وليست قادرة على حرب. لا أحد منهما مقدم على حرب.
وحتى لو افترضنا حصول حوادث بالصدفة فإنها ستطوى بسرعة كما حصل في ضرب الناقلات وخطوط البترول بتأويلات وبتمطيط البحث عن الفاعل لكأنه ليس معلوما.
2. وإذن فما وراء هذه المظاهر توجد حرب فعلية هي التي تشترك فيها أمريكا وإيران وإسرائيل والأنظمة والأقليات في الإقليم: الحسم مع الاستئناف المخيف لدور الإسلام السني. والمستهدف فيها ليس إيران بل الثورة وتركيا. وقد قدمت الثورة لأنها حالة أعم من حالة تركيا.
ذلك أن تركيا كان يمكن ترضيتها وابقائها ضمن وهم الدخول إلى الوحدة الأوروبية لصرفها عن دور ما في الاستئناف الإسلامي السني وللغرب في ذلك قوى سياسية كبيرة في تركيا يمكن أن تنجح في الحد من ميلها لدور في الاستئناف السني.
إن الحرب الجارية وقد رأيناها في سوريا وخاصة في ما بين سوريا والعراق بخطة أوجدت داعش والحلف العالمي المزعوم ضدها وهو في الحقيقة ضد ما لأجله اختلقوها لتكون مبررا للحرب على فكرة الخلافة ذاته. والهدف هو تشويه الإسلام وتهديم كل معالم حضارته السنية في الخلافتين العربيتين الثانية والثالثة مرحلة تمهيدية لتهديم معالمها في الخلافتين الأولى والأخيرة أي أرض في الحرمين مركز الخلافة الأولى وفي الأناضول مركز الخلافة الأخيرة بنفس الاستراتيجية.
وهذا يعني أن أمريكا وإسرائيل وروسيا وإيران ما زالوا بحاجة لشيعة الأقليم وعلمانييه وأقلياته ومليشياتهم بالسيف وبالقلم في هذه الحرب “المقدسة” عندهم: والخطة هي كيف يمنعون استئناف الإسلام السني في العالم بضرب رأسه التي هي في الأقليم أي سنة العرب والأتراك والأكراد والأمازيغ وسودان افريقيا أي قلب دار الإسلام وملتقى القارات القديمة.
وبعبارة أكثر وضوحا كيف يمكن تطبيق سايكس بيكو جديدة لا تقتصر على ما بقي من الخلافة مثل الأولى في بداية القرن الماضي بل تشمل كل دار الإسلام بتطبقيها على مركزه حول الأبيض المتسوط مشرقه ومغربه وما حوله في ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير لمنع ما بدأ فجره يبلج بفضل تركيا وثورة شعوبه الحالية.
وبعض دول أوروبا التي كانت لها امبراطوريات وخسرتها بعد الحرب العالمية الثانية بدأت تستعيد شاهية اقتسام الضفتين الغربية والشرقية من المتوسط لكنها لم تعد لها القدرة التي كانت لها كما أن أهل الضفتين لم يبقوا بما كانوا عليه سابقا بحيث إن استئناف الاستعمار المباشر لم يعد في مقدورهم. وتلك هي علة الاستراتيجية المخمسة الحالية:

  1. استعمال إيران وأذرعها.
  2. استعمال إسرائيل وأذرعها.
  3. اختراق الحركات الجهادية لجعلها أدوات تشويه الإسلام وتهديم معالمه.
  4. استعمال الأنظمة والنخب العميلة.
  5. ثقافة إحياء الحزازات الماضية في الأقليم وخاصة مشكل القوميات والطائفيات والطبقيات والنعرات الجاهلية حربا على معنى الأمة.

ويخطيء من يتصور ترومب أحمق. فـما يحصل لا يدل على الحمق ولا على الاضطراب الاستراتيجي كما يزعم قصار النظر من محللي الفضائيات إذ هو يترك مستشاريه يستعملون لغة الحرب لكنه هو يدعو الى السلم ويمدح إيران حضارة وشعبا وقيادة ولا يحقر إلا من العرب والأتراك هؤلاء بتهديدهم في أمنهم العسكري والاقتصادي وأولئك بابتزازهم بإيران وفرض الجزية عليهم.
الحمقى هم من يتعامون عن الحقائق المحددة للاستراتيجية ويعملون بذهنية البدو الذي يعميه الآجل عن العاجل فلا يرى البعائد ويغرق في القرائب. ذلك أن من تعمل مؤسساته بالمستشارين الأجانب والحمقى من النخب العربية التي تكره الإسلام أكثر حتى من المستشرقين وأغلب هؤلاء وأولئك من الحاقدين على الأمة وليسوا أهلا للقيادة عامة فضلا عنه في الظروف الصعبة مثل الحالية.
فعندما يصبح بلار مستشار بعضهم وصهر ترومب صديق بعضهم الآخر وكلب ناتن ياهو الذي اغتال عرفات فاعلم أنك أمام نفس العقلية التي جعلت لاورنس العرب يلعب بعقولهم ليحاربوا الخلافة باسم أطماع تبين لاحقا أنها كانت وعودا كاذبة بخلاف الوعد الذي اعطي لبلفور والذي وافقوا عليه كما يفعلون الآن لتحقيق غاياته البعيدة ليس في فلسطين وحدها بل في استرجاع إسرائيل لامبراطورية داود.
فتصبح السنة ومركز دار الإسلام بين فكي كماشة شعبين همجيتين تدعيان خرافات دينية لاسترداد امبراطوريتين متقدمتين على الأسلام وتدعيان العداء المتبادل بخبث من لم يفهم فهو الحمار والأحمق وليس ترومب الذي يمثل المسيحية الصهيونية التي تؤمن بالأرضين الموعودتين القديمة (فلسطين) والحديثة (أمريكا).
ومعنى ذلك أنه لا يخفي استراتيجيته إلى على العميان بصرا وبصيرة. ولا أعتقد أن وجود الأرمادا الأمريكية في الخليج وبحر العرب يستهدف إيران بل التقدم الصيني في نسج بيوت العنكبوت في الاستراتيجية الصينية الساعية لنقل المعركة مع أمريكا إلى عقر مستعمراتها أي أوروبا والشرق الأوسط وافريقيا.
فليس صحيح أن المعركة بين أمريكا والصين مسرحها المركزي هو المحيط الهادي -حتى إن كان ذلك فيه بعض الحقيقة بخصوص أمريكا الاتينية جزءا من المعركة- بل هو ما يزال المحيط الأطلسي والممرات بين الغرب والشرق وخاصة أدوات كل قوة أعني الطاقة والثقل الحضاري الروحي والمادي في نظام العالم القادم.
وهو ما يعني أن الرهان الأساسي في هذه المعركة هو بالذات دار الإسلام التي جمعت بين المحيطين لأنها تمثل الجسر الواصل بين اقصى الغرب ومغوله (الولايات المتحدة) وأقصى الشرق ومغوله (الصين) ومن ثم فمن يسيطر عليها يصبح رب البحار والأرضين في عالم لم تعد فيه المسافات الفاصلة كمية بل كيفية.
وما أقصده بالمسافات الكيفية هو نوع الحضارة التي يمثلها الإقليم هذا الجسر والظرفية التاريخية التي لم تعد أوروبا القديمة بمقتضاها متميزة عنه لأنها لم يعد مستقبلها مستقلا عن مصير ملتقى القارات الثلاث القديمة أعني آسيا وافريقيا وأوروبا. فسبقها العلمي والتقني لم يعد مؤثرا لأنه صار مشتركا كونيا ووزنها الديموغرافي لا يعتبر بين العملاقين المغوليين.
استراتيجية أمريكا بحاجة إلى حلفاء ضد الصين في حربهما على “البطن الرخو” في العولمة أعني دار الإسلام وأوروبا القديمة. والتعين المادي لهذا المعنى هو طريق الحرير الصينية. فلا يمكن لأمريكا أن تطمئن لذلك ولذلك فهي صارت تعامل أنظمة أوروبا كما تعامل أنظمة العرب بنفس الدعوى الحماية.
صحيح أن نخب أوروبا لا تريد أن تفهم ذلك وخاصة يمينها. وأكثر الأوربيين قلة فهم هم الفرنسيون الذين يتوهمون أنه بوسعهم أن يحافظوا على مستعمراتهم باستعمال العملاء من الحكام. فأسقط في أيديهم بعد الثورة. ولذلك فهم الآن يعانون في افريقيا وخاصة بعد أن حصلت الثورة وبالذات في ليبيا والجزائر. فما حدث القرن التاسع عشر بات مستحيلا.
فمثلا الجزائر اليوم على ضعفها وعلى تخلف نظامها يمكنها اليوم أن تهزم كل جيوش فرنسا في أقل من جولة -بخلاف المرة السابقة التي دامت قرنا وثلث القرن- رغم أن فرنسا قوة نووية. ذلك أن الحيوية الروحية مع التمكن من أدوات الحضارة الحديثة ستضاعف ما عرف به شعب الجزائر من القوة والأصرار ما يجعل فرنسا تفضح ضعفها لو تجرأت فتعنترت عليهم.
أعود إلى ما بدأت به. كنت أظن -والظن بعضه اثم وأنا في هذه الحالة آثم- أن ملك السعودية والنخبة الحاكمة فيها بدأوا يفهمون أنه لا عاصم اليوم إلا الله وشعوب الأمة وأنه قد آن الأوان للتخلص من الخيار الخاطيء. فالحليف الوحيد الذي يمكن أن يحمي الخليج هو الشعوب والأمة ولا أحد غيرهما بقادر على ذلك.
ظننت أن شاهد العقل قد عاد وأن القمة الأولى الخليجية كانت ستكون للصلح بين أنظمة الخليج وتجاوز الفتنة التي صنعها أحمق الإمارات وتابعه فيها صاحب المنشار. وظننت ان القمة الثانية هي للصلح مع شعوب الإقليم التي ثارت فعلا والتي لم تثر بعد لكنها تغلي وستثور ومنها شعب السعودية نفسه. لكن خاب ظني وهو مجرد حلم لا ظن.
وأخيرا فالحلم الأكبر هو أني ظننت أن القمة الثالثة الإسلامية كان ينبغي أن تبدأ بالصلح مع تركيا والاعتذار لها على تدنيس أرضها بجريمة نشر خاشقجي وعلى الحرب على عملتها ومحاولات مساندة من يسعى لحصارها والتشويه لمسيرتها نحو استرداد مقومات هويتها بالتدريج الحكيم. لكنهم يتوهمون أن السيسي وناتن ياهو وحفتر سيحمونهم.
وينبغي أن يعلم العرب أن أحرص الناس على تجنب الحرب إيران وإسرائل. الأولى لأنها لم تعد سلاحها وترسانتها للحرب على إسرائيل بل للثأر منهم ومن الإسلام ولاسترداد امبراطورية فارس وقادتها لا يجهلون أن هذا السلاح لا يقف ساعة أمام سلاح أمريكا وإسرائيل. فمن هزم هتلر واليابان والسوفيات لن تعجزه إيران لو أراد القضاء عليها.
والثانية لأنها تعلم ذلك فلا تريد فقدان حليف -إن لم يكن ذاتيا فموضوعيا- في تسير سيطرتها على الاقليم كله وإذا لزم الأمر بعد ذلك فستصفيه تماما كما فعلت مع كل أدواتها في تاريخ فكرها الصهيوني منذ خيانتها لكل شعب تطفلت عليه لتمتص دمه وتستمله مركوبا في استراتيجيتها الشيطانية الناتجة عن مرض روحي تعاني منه ورمزه عقدة شعب الله المختار المرضية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock