تدوينات تونسية

بين حراكين ..

علي المسعودي

بدا الحراك في السودان، منذ ولادته، فصيح القول، طلق اللسان. ولقد أوجع الخصم شديدا بعد أن وحّد صفوفه واختار، بدل التظاهر، أسلوب الاعتصام. وبسبب تنوع فئاته فهو قادر على حشر العسكر في الزواية عبر تنويع أشكال النضال وصولا إلى العصيان المدني التام.
أما حراك الجزائر فمازال عييّا، يعوزه البيان. وهو إلى ذلك خجول، يقتله الحياء كلما أشار إلى الجيش بأصابع الاتهام. تدرّبه على النطق الفصيح كان بطيئا، ولم نسمع منه، إلى اليوم، جملة ثورية تامة المعاني. كان قد بدأ برفض العهدة الخامسة، وانتقل إلى التصريح برفض الباءة من النظام القديم عبر رفض باءاته الشهيرة. فزواج المسيار بين الفلول والثورة باطل شرعا، ومن المنكرات في فقه الانتقال الثوري. ولكنه لم يجرؤ حتى اللحظة على تسمية الأمور بأسمائها. فالجيش الجزائري هو عينه النظام القديم. وهو من يحكم من وراء سواتر الأسماء القديمة وعبر كل الحروف. ولكنه اختار، لبشاعة الوجه التاريخي، لبس النقاب. وادعى زهده في السياسة التي كان قد تزوجها عرفا منذ عشرات السنين.
•••
لم يقم جيش السودان بانقلاب على النظام، بل كان انقلابا على الثورة.. لقد كان مجرد قاطع طريق. واستمد من تاريخه الطويل جرأة واضحة في تسمية الانقلاب باسمه، واستلام الحكم بوجه سافر دون حجاب. لقد ظن أنه بالامكان تقمص شخصية سوار الذهب للقول بأن العسكر ثائر من بين الثائرين. ونحن نعلم أن إسقاط البشير ذاته لم يكن سوى مكر خليجي، وابتداع سيساوي أصيل على سبيل أن آخر الدواء في الطبابة الكيّ!.
عسكر السودان، كما تنبئ الوقائع، بيع في سوق النخاسة منذ أمد. وإذا كان ثمة من خائن في هذا البلد بعد الفريق طه حسين عثمان، فهو قيادات هذا العسكر العتيد. وهو يبذل اليوم جهودا عبثية من أجل تنصيب نفسه كراعي الثورة والثوار، حتى يبقى الحكم خالصا للمجلس العسكري، ومن ورائه النديمين، ابني زايد وسلمان.. وثالثهما صاحب مصر، عبد الفتاح السيسي..
قوى الحرية والتغيير لديها ما يكفي من ذكاء السياسة لتدرك أكذوبة العرّاب. ولديها ما يكفي من القوة لتئد في المهد كل التفاف على الثورة أو انقلاب.
للأسف المطامع الإقليمية تملك كثيرا من الأوراق أيضا، ولعل أخطرها قيادة المجلس الانقلابي نفسه التي كتبت مسرحية إسقاط النظام.. بينما كانت ولا تزال هي النظام !.
وعليه، يبدو المستقبل غامضا، يحكمه طمع الخارج ورجاء الداخل. ونخشى أنه إذا اصطدم هذا الرجاء بذاك الطمع، ستسيل أنهار من دموع ودماء. وفي النهاية سيكون مصبّها العظيم دلتا النيل.. وعندها قد تعود السودان إلى خارطة مصر، ولكن لا ندري هل ستجري الرياح كما تشتهي سفن الثوار أم سفن الجنرالات في كلا البلدين.
عسكر الحزائر أيضا، لم يقم بانقلاب على النظام إلا بقدر ما فعل عسكر السودان. لقد أدرك أن بوتفليقة أصبح ثمرة تالفة ومتلفة في صندوق النظام القديم. وأفضل شيء هو رمي كل الحبات المصابة، حتى لا ينتشر في الصندوق العفن.
•••
ما الذي يبرّر الكتابة في هذا الشأن، ولدينا هاهنا ألف سبب لحديث ذي شجون وشجن ؟؟؟
بكل بساطة، هناك قدر صغيرة اسمها تونس، يطبخ فيها طعام لا طعم له ولا رائحة.. ولن يستوي أو ينضج قبل أن تضاف له توابل هذين الحراكين.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock