تدوينات تونسية

يطلقون الكلاب ويربطون الحجارة..

صالح التيزاوي
ما إن أعلنت إيران نيّتها لمراجعة بعض بنود الإتّفاق النّووي الموقّع مع الولايات المتّحدة والتي أعلن رئيسها الخروج منه، حتّى تدفّق سيل من التّعليقات للدّول الغربيّة. بعضها يعبّر عن عميق قلقه وانشغاله وبعضها الآخر يلوّح بعصا العقوبات وكأنّ العقوبات الأمريكيّة لاتكفي..
أعلن “ترامب” منذ سنة أنْه في حلّ من الإتّفاق النّووي الموقّع مع إيران برعاية غربيّة أي أنّه نقض الإتّفاقيّة من جانب واحد، ولم نر من الدّول الغربيّة إدانة أوشجبا. ولمّا عبّرت إيران عن مجرّد نيّتها لمراجعة بعض البنود دفاعا عن مصالحها انهالت عليها الإدانات من كلّ حدب وصوب. أليس هذا هو النّفاق بعينه؟ ثمّ أليس هذا هو الكيل بمكيالين؟
هل اكتشف “ترامب” بعد عام واحد أنّ الإتّفاقيّة التي وقّعها سلفه كانت “كارثيّة” وأنّها كانت “خطأ فادحا” وجب تصحيحه؟ أم أنّ الإتّفاقيّة كانت “مصيدة” لإيران لأنّهم كانوا يحتاجونها هي ومليشياتها في سوريا لإنقاذ نظام الأسد؟ ولمّا انتهت مهمّتها تمّ نقض الإتّفاقيّة! وهل جاء الدّور على حزب اللّه ذراع إيران في المنطقة لتجفيف مصادر تمويله بانتظار ما يبيّت له وما يحاك له في الغيب؟
يروى أنّ عابر سبيل من الزّمن الغابر مرّ بقرية فهاجمته كلابها، وكان كلّما همّ بالتقاط حجر يدفع به أذى الكلاب المسعورة وجده مثبتا في الأرض بحيث يصعب قلعه، حتّى أثخنته الكلاب عضّا ونهشا، فقال في نفسه وهو يقاوم الكلاب بيديه “لعنة اللّه على هؤلاء القوم يربطون الحجارة ويطلقون الكلاب”. هذا المثل ينطبق على الغرب الذي يطلق العنان لمصالحه ومصالح الكبار وفي المقابل يقيّد حركة الشّعوب المستضعفة حتّى لا تدافع عن مصالحها وحتّى تبقى تحت الهيمنة.
أكثر من مليوني فلسطيني في غزّة يتعرّضون لحصار ظالم لأكثر من عشر سنوات وتعرّضوا لحروب متتالية ولقتل يومي، ولمّا نهض الفلسطينيّون يقاومون الغزاة ويدافعون عن حقّهم في البقاء صنّف الغرب مقاومتهم “إرهابيّة” لأنّها تعرّض أمن “إسرائيل” للخطر!! يطلقون يد المحتلّ ويقيّدون حركة الضّحيّة بقوانين جائرة حتّى يستسلم لإرادة المحتلّ.
الغرب “الدّيمقراطي جدّا” و”الإنساني جدّا” هو الذي دعم أنظمة دكتاتوريّة وفاشيّة في بلاد العرب والمسلمين وأطلق يدها لتبطش بشعوبها حماية لمصالحه. ولمّا ثارت الشّعوب على جلّاديها صبّ عليها الغرب المتحضّر عن طريق وكلائه حمم الثّورات المضادّة التي خرّبت الثّورات العربيّة وأفسدتها.
هل كان يجرؤ السّيسي على الإنقلاب على أوّل رئيس مصري منتخب ديمقراطيّا من الشّعب لولا ضوء أخضر غربي؟ وزادوا في إكرامه فاستقبلوه في عواصمهم وصمتوا عن فظاعاته التي غيّبت حقوقا وحرّيات يعتبرها الغرب جوهر الحداثة؟ هل كان حفتر يجرؤ على احتلال بنغازي ومن بعدها الهجوم على طرابلس وترويع أهلها لو لاالضّوء الأخضر الفرنسيّ؟
يقول محلّل سياسي فرنسي ردّا على من انتقد دعم بلاده للمتمرّد الحفتري على الشّرعيّة “إنّ شرعيّة حكومة الوفاق منقوصة”.. لنفترض أنّها كذلك.. فهل دعم أسير حرب سابق وأحد أركان نظام القذّافي الإستبداديّ ومتمرّدا يتشّبه بالفاشيين في أزيائهم العسكريّة وفي نزعاتهم التّخربيّة وفي غطرستهم هو من سيحلّ مشكل الشّرعيّة المنقوصة؟ وهل بالقتل والتّخريب وترويع الآمنين تستكمل الشّرعيّة المنقوصة؟ أم تراهم أطلقوا يده من أجل النّفط؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock