مقالات

العلمانية الغربية و الغلمانية العربية

فتحي الشوك
يعجز عقلي عن استيعاب وفهم بعض العلاقات الرياضية او الفيزيائية المعقّدة وعن فكّ طلاسم بعض التفاعلات الكيميائة المركّبة وممّا زاد في مساحة عجزي ما ذكره ماكرون حول علاقة حراك السّترات الصفراء بالإسلام السيّاسي وكيف يرى أنّ علمانيّة فرنسا ومبادئ الجمهورية مهدّدة لذلك فهو منخرط في حرب لا هوادة فيها تجاه هذا الخطر الوجودي.
خلت ماكرون وهو يبوح بمخاوفه وكأنّه رئيس لدولة جنوب ضفّة المتوسّط حيث الحديث المعتاد عن محاربة الاسلام السياسي وتجار الدّين ولا يمكن تفكيك خطابه إلاّ بوضعه في سياقه فهو أكيد لا يتحدّث عن فرنسا الغربية ذات الخمسة ملايين من المسلمين المهمّشين والّذين لا يملكون أدنى تأثير بل عن فرنسا التاريخية الممتدّة والمتوسّعة، المهيمنة والمستغلّة لمقدّرات شعوب مازالت تمتصّها وتنهب خيراتها إلى يومنا هذا، فتلك الضفّة الجنوبية الّتي يعتبرها في مجال هيمنته إلى حدود ما وراء الصحراء وادغال افريقيا وصولا الى مستعمرات ما وراء البحار البعيدة.
ماكرون يسوّق لنفسه بأنّه يدافع عن علمانيّة ونمط مجتمعي ويروّج لأنّ مصدر التهديد الرئيس يمثّله الاسلام السياسي وهو لا يختلف كثيرا عن ترامب الّذي يوسّع دائرة استعدائه ليشمل الاسلام بالكلّية.
العلمانية الغربية:
لا شكّ أنّ العلمانيّة الغربية ظهرت في سياقها التاريخي مع نهاية القرن التاسع عشر و بداية الثورة الصناعية التي شهدتها أوربا لامتصاص آثار الصّدمة الّتي احدتثها تلك الثورة والمترافقة بتحوّلات مجتمعية عميقة وجذرية لفكً الارتباط بين مجتمعات في طور نموّها الاقصى ومؤسّسة كنسيّة كهنوتية متخلّفة ومترهّلة ومتسلّطة، تلك العلمانية التي مكنت اوربا من بناء مؤسّساتها بعيدا عن مؤسسة الكنيسة الميّتة سريريا، لكن ما علاقة تلك الحركة الطبيعية المنسجمة مع بيئتها وسيرورتها مع ما زرع من تفريخاتها في مجتمعاتنا العربية والمسلمة وهل توجد فعلا علمانية عربية؟
الغلمانية العربية:
هل اسلامنا الذي نعرف فاسد او يحمل بذور فساد بما يستدعي عزله وفصله عن الحياة والشأن العام وحصره في مجرّد سلوكيات طقوسية وخوض في نواقض الوضوء والحيض ونكاح الميت والحيوان ودعاء بالنصرة للسلطان؟
الا يحمل مشروعا وفكرة قابلة للتحقّق، الم يكن ديدنه بناء الانسان ومحور اهتمامه ذاك الانسان؟
ان كان ذاك هو الاسلام السياسي الذي يتحدّثون عنه اي الاسلام الرّسالي المعبّر عن مشروع فنعم الاسلام هو، فتلك كانت وظيفة من حمله بصدق، وظيفة بناء واعمار واصلاح وتصحيح للمسار.
وليس عجيبا ان يتوافق الجميع على محاربة ما يسمّونه بالاسلام السياسي وهم في الحقيقة يحاربون الاسلام الحقيقي الحركي الحي القابل للحياة والتحقًق والقادر على أن يثمر والذي بامكانه ان تكون له مساهمات حضارية كما كان قبل ان تغيّب شمسه.
وهم بالمقابل يروّجون لنسخ مشوّهة منه حتّى يسهل لفظه، نسخا هجينة مغتربة في المكان والزمان وغير متعاطية معهما، داعش والجامية والصوفية الشعبوية وكل شكل يبرز عدم صلوحيته في ان يكون مشروع وفلسفة حياة.
لا توجد علمانية عربية بل هي غلمانية بنقطة بارزة على العين لتتحوّل إلى غين.
ان يتحالف ماكرون و ترمب والنًتن ياهو مع طغاة صحراء الاستبداد العربي وان يجمع التحالف أضدادا وان يستعمل في ذلك المال القذر وكهنوت اقذر وان يصطفّ العلماني الغربي المنتفخ بجنون عظمته والمتمركز حول ذاته والغلماني العربي المستوطن بتسلّط مرضي ممزوج بجهل مقدّس، لمواجهة عدوّ مشترك اسموه بالاسلام السياسي هو تقيّة وفزّاعة يخفون بها ما يخشونه حقيقة وهو رغبة الشّعوب المضطهده في ان تنهض وتمارس حقًها في حياة حرًة وكريمة حرمت منها، خصوصا بعد موجات الربيع الأول التي عشناها وارهاصات الربيع الثاني الّذي نعيش بوادره.
الغرب المهيمن المستعمر الغير مستعدّ لأن يتنازل عن مكاسبه ومصالحه والذي يحكم بواسطة وكلائه، لا يمكن له ان يسمح لمن يستغلّهم بان يتحرّروا من نير استعباده، وهو يعتبر جازما بأنّ الاسلام او ما يطلق عليه اسم “الاسلام السياسي” يمثل خطرا استراتيجيا ومحرّكا اساسيا للتحرّر ولتغيير جذري لقواعد اللعبة التي يريد دوما ان يكون متحكًما في مجرباتها ونتائجها.
لا شكّ أنّ رياح التغيير بدات تهبّ وانً عجلة التاريخ تدور في انتظار استكمال شروط النّجاح: “إنّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ” [الرعد:11].

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock