مقالات

وتبقى التجربة التونسية هي المرجع..

نصر الدين السويلمي
لا جدال في أنه من حق كل العقلاء أنصار الحرية الابتهاج بنكسة هنا واخرى هناك تصيب مبعوث محمد بن زايد الى منطقة المغرب العربي المدعو خليفة حفتر، وهذا من صميم الواجبات العاطفية تجاه الاخوة الفرقاء في طرابلس وما حولها الذين فشلوا في توحيد كلمتهم و تنافروا وحتى تقاتلوا ولم يبق لهم من رصيد غير الوفاء لفكرة 17 فبراير، لكن هذه العواطف لا يجب ان تمضي بعيدا فتتحول الى احلام عبثية غير مسيجة بالمنطق، لأنه لا وحدة فرقاء طرابلس وما حولها تخولهم تحقيق النصر المؤزر على قرصان العيال، ولا الدعم اللوجستي المنعدم من دول الطوق والاخرى الاقليمية والعالمية تدفع بالتفاؤل الى وجهته الصحيحة، إذْ لا يمكن  لثوار متشاكسين ان يكتسحوا قوى تعتمد على جيوش من المرتزقة ارتقى بهم مال الامارات والسعودية ومعدات فرنسا الى مستوى الجيوش المحترفة، لا يمكن للعزيمة المشتتة ان تحمي ليبيا من الخيانة المسنودة بقوة رهيبة.
لذلك لا يجب التفكير السريالي في نصر غابت اسبابه الدنيا، وإنما هي مرحلة الصمود والبقاء على الحلبة تحت أي طائل، مع السعي الى إنتاج مقاربة تجمع كل الفرقاء الشرفاء، تلم شملهم على الممكن والمشترك، ومن ثم العمل على تطوير خصائص الصمود، بعد إنجاز ذلك ليس غير انتظار ما ستفصح عنه الساحة الإقليمية، التي تعادي في مجملها أي محاولة تهدف لإنشاء ديمقراطيات مفتوحة وشفافة، وان كان الثوار انتعشوا نسبيا بحركة الشعب الجزائري، إلا ان الشرق الليبي المستعمر يملك سلسلة مضادة رهيبة وسميكة، سلسلة معادية بشراسة لفكرة سيادة الشعوب، سلسلة عميقة ومتواطئة على إبقاء الشعوب تحت قوة فوقية، حمراء كالشيوعية سوداء كالعمامة خضراء كالعسكر حمقاء كالمنشار خبيثة كالغلمان..، سلسلة طولها ما يناهز 10.000 كم، تمتد من بن غازي وتنتهي في موسكو، مرورا بمصر وسوريا والسعودية والامارات وايران وصولا الى روسيا، كل هذا النسيج المختلف المتنافر الوريث للشيعية وللشيوعية وللوهابية وللطائفية وللعسكرية وللنفطية، كله اجتمع على محاربة فكرة الشعب السيد والصندوق الفيصل.
حتى فرنسا أحد أهم المصانع التاريخية للديمقراطيات المفتوحة في العالم، باتت تدعم جهارا فكرة الديمقراطيات الشكلية في عوالم ثالثة استعمرت بعضها واحتقرت البعض الآخر، لا تهتم فيها بالحرية إلا عبر نافذة الشذوذ وتفكيك المنظومة الاسرية، ولا تهتم بالشعوب الا عبر ترويضها بقوة غاشمة تبسط الأمن المذل، ليستتب الأمر لمصالح فرنسا ومشاريعها، ويعتم عن عقودها المجحفة التي ترشح الخيانة الموصوفة من فصولها وفقراتها.
ثم أن الذين يتحدثون عن جزائر جديدة مساندة بقوة لثورات الشعوب العربية، كمن يحمل اشتال الزيتون لغرسها، ويحمل معها البراميل للعودة الى بيته بالزيت!! في حين ان معركة انهاء المنظومة في الجزائر قد لا تساوي 30% من مجمل التحديات، قبائل.. شاوية.. مزابية.. توراق.. عشرية سوداء.. سجناء.. أحزاب موالات.. نزعات انفصالية.. رأس مال.. عسكر.. فرنسا.. ثم والأهم عقلية جزائرية صعبة الانقياد وكثيرة الشكوك والتشكي. كل هذا يجعل اقصى طموح الشارع العربي خلال 5 سنوات القادمة، ان تفكك الثورة الجزائرية ألغامها الداخلية وتخرج متماسكة من طوفان المطلبية المرعب، الذي وصل بالبعض الى القول ان جل الجالية الجزائرية ستعود قريبا لتقيم في بلادها وتتمتع بخيراتها، سيل رهيب من المحتجين يتحدث عن تنمية في حدود 2020 الى 2021، لا احد يتحدث عن التضحيات لبناء جزائر 2030-2035.
وعليه فان جميع التجارب البرّاقة، التي تنعشها حناجر الملايين في بلد الشهداء والاخرى التي تزرع نيران مصراتة في عروقها الدماء، كل هذه التجارب التي تحلم بالكاسح، بالرائع، بالمذهل.. كلها ستنتهي في حجر المقاربة التونسية، مقاربة القطرة قطرة، مقاربة الربح الطفيف والعمل على تأمين الربح الطفيف، مقاربة المرونة والتنازلات الذكية، مقاربة المعالجات الحذرة للديناميت المزروع حديثا وغيره من مخلفات الاستعمار المتونس، مقاربة النفس الطويل والمعارك الشاقة مع المطلبية، مع الثورة المضادة مع القوى الثورية المغشوشة التي تبزّعت ثورِيتُها حين أفصحت الصناديق عن أجنة احشائها، حين اكتشفت تلك القوى المتثورجة ان الصناديق حبلى من غيرها، وان رصيدها المنوي غير كاف لانجاب دودة قز، حين تأكدت ان عقمها ليس لدواعي خلقية، وإنما لدواعي عبثية، حينها رفضت معاودة الشعب الطبيب، واختارت ان تفتح نيرانها على الخصوبة… ستمضي التجارب بعيدا، ثم لما يرهقها المسير تعود الى التجربة التونسية، مثلما مضت الثورات بعيدا ثم عادت الى شعارات سبعطاش ديسمبر.. اخبار مؤكدة تتحدث عن طوفان جماهيري يجوب شوارع جمهورية مالي الواقعة شمال غرب القارة الإفريقية، يرفع لافتة كبيرة كتب عليها “dégage”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock