تدوينات تونسية

في تجريم "نقد الزعماء" !

الخال عمار جماعي
يعتقد فرويد أنّ فكرة قتل الأب في الطوطمية (الاعتقادات ما قبل ديانات السماء) هو الذي شكّل معنى القداسة له وهو الذي يفسّر الحاجة لـ”الأب الكبير” الذي نحتمي به سواء كان إلها أو زعيما أو شخصية فذّة.. وكلّما وقع المساس به ارتبكنا أيما ارتباك ودافعنا عنه ونحن في الحقيقة نغطّي حاجتنا له وضعفنا أمامه !
هذا الأمر شبيه -مع بعض التعديل- بما نعيشه اليوم في الساحة السياسية. فقد انتصب “الزعماء” الملهمون في كلّ حزب وطافت بهم هالة طوطمية تنافح عنه وتعتبر كلّ مسّ من أحدهم هو بمثابة “الكفر” كمن يحتمي بأبيه أمام “الغول”.. طبعا ترافق هذا حالات من الهيجان الاحتفالي وتصفيق المناصرة.. من ثمّة جاء بورقيبة ومن عباءته خرج علينا “الزعماء”!
فإن قلت إنّ “راشد الغنّوشي” شخصية غامضة لا يرتاح لها إلاّ الأتباع قيل فيك أكثر مما قاله مالك في الخمرة ! وشنّع بك واعتبرك أرجحهم عقلا قصير النظر عن “دهاء الشيخ السياسي”.. تقول لهم إنّما هو بشر مثلنا وليس أعظم من نبيّ قال فيه القرآن “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ”! أخرجوا لك من المظلومية التي طالته ما يخجلك !
فإن قلت إنّ “منصف المرزوقي” متشنّجن ومكابر صنّفوك في “جماعة الردّة” وجذبوا أطرافك بنظرية المؤامرة والثورة المضادة وأقسموا على سلامة نيّته واعتبرك أعقلهم غافلا أو متغافلا.. تقول لهم أنّه لا يطاول مانديلا أو غاندي، وانّ السياق غير السّياق وأنّ العودة إلى قصر قرطاج هو هوسه الأوحد سبّوا لك السبسي وأزلامه ورفعوا تاريخه الحقوقي حتى أسكتوك !
فإن قلت إنّ “قيس سعيّد” -على تمكنّه وفهمه- لا يصلح بتلك “الفصاحة” أن يكون زعيما.. وإنّما الرّداءة المحيطة بنا هي التي جعلت منه عنصرا نوعيا.. قالوا إنّما هو أفضل من غيره ولا يوجد من يضاهيه في القانون الدستوري.. قلنا إنّ الرئاسة محدودة بالدستور وأنّ وضع رجل قانون عليها لا يمنع من انتهاكه. قالوا لك قد فعلها السبسي نعم ولكنّ صاحبنا محترم.. وأفحموك برأيه الصائب حتى تصمت!
فإن قلت إنّ “حمّة االهمامي” غير ديمقراطي وهو فاقد للشخصية الجامعة كذّبوك بأنه جمع حوله اليسار الحقيقي وبأنه واضح الرؤية صادق العداوة.. فإن بززتهم بأنّه “جيش احتياط المنظومة” بزّوك بـ”النهضة وجهازها”..
فإن قلت فلان به وعلاّن عليه.. وجد الأتباع حيلة لتنقية ثوبه من الشوائب حتى لتعتقد أنّك ارتكبت ذنبا لا يغتفر !.. وبعد أيها الشعب الطوطمي ؟!
لا زلت أعتقد أنّ نقد “الزعماء” هو جزء مهمّ لتصفية التركة البورقيبية، تركة “يحيا هاضاكه”.. وأوّل درجات الوعي بضرورة التغيير الحقيقي لكن في غير ترذيل أو إنكار فضل لهم.. لأننا ساعتها نكون كمن يخصي نفسه ليغيظ زوجته !!
وقديما قالها “حمّة الجريدي” بلهجة جريدية صريحة: “كان عندنا ڨبل خليفة الأقرع وتوّة هاهو جانا” عبد الكريم المدّب.. نحّ بصلة حطّ ثومة”.
كلّهم بورقيبيون.. ولا أستثني أحدا !!
“الخال”

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock