تدوينات تونسية

جاسيندا: بلقيس نيوزيلندا

صالح التيزاوي
كم كانت مذهلة في رجاحة عقلها، حيث لم تتأخّر إدانتها للعمل الإجرامي ووصفته بما يليق به دون تردّد بأنّه عمل إرهابي بشع وجبان، ارتكب بدوافع عنصريّة. ولو أرادت التّستّر عليه أو تمييعه لشكّلت لجنة للتّحقيق كما يفعل حكّام العرب وانتظرت نتائج التّحقيق.
وكم كانت مذهلت في عواطفها وفي إنسانيّتها، حيثما حلّت تعانق النّساء والرّاجل دون تصنّع وتلبس لباس نساء المسلمين لتشعرهم بقربها منهم ولتبدّد مخاوفهم من رهاب “الإسلامو فوبيا” ولتشعرهم أنّ أمنهم من أمن بلادها، ولتنأى بنفسها وبشعبها وبحكومتها عن مشاعرالكراهيّة والعنصريّة.
كم كانت مذهلة في عفويّتها وتلقائيتها، لم تترك شيئا يمكن أن يخفّف من وقع الفاجعة عن الجالية المسلمة في بلادها إلًا فعلته من تلاوة للقرآن الكريم في مجلس النّواب، وإحاطة بالجرحى والمصدومين من هول الجريمة، وحضور لافت لموكب العزاء وتأبين الضّحايا، ورفع أذان صلاة الجمعة إكراما للضّحايا وللجالية المسلمة حتّى تشعرهم بالأمن والطّمأنينة.
ليس الأمر كما يحدث في بلاد العرب حيث لا يشعر الحاكم بالرّاحة ولا يهدأ له بال ولا يطمئنّ على عرشه إلّا بانتزاع الأمن والطّمأنينة من شعب لم يكن له من يد في اختياره.
كم كانت مذهلة في جرأة قراراتها، حيث بادرت إلى تجفيف منابع التطرّف اليميني بسنّ قانون يحظر بيع الأسلحة التي يمكن أن تستخدم في هكذا عمليّات. بينما يبادر حكّام العرب إلى تجفيف منابع التّديّن إرضاء لمن نصّبوهم ولمن يقومون بحماية عروشهم، ولم تبادر إلى غلق المساجد أو مدارس تحفيظ القرآن كما يشتهي بعض الممسوخين ثقافيّا في بلاد العرب والمسلمين من بقايا الشّيوعيّة ومن وكلاء الإستعمار.
كم كانت مذهلة في انتصارها للعدالة وفي إنصافها للجالية المسلمة، حيث صرّحت بأنّ “الإعتداء على مسلم وهو يؤدّي عبادته، اعتداء علينا جميعا”. أليس هذا هو معنى الآية الكريمة “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعا”. كما صرّح وزير خارجية بلادها بأنّ القاتل سينال أقصى العقوبة وسيقضّي بقيّة حياته منبوذا في السّجن، لا تبالي بأنّ القاتل مواطن نيوزيلندي وأنّ الضحايا مسلمون… هكذا انتصر عمر بن الخطّاب للقبطي من ابن واليه على مصر “عمرو بن العاص”.
كم كانت مذهلة في مسلكها التّربوي ورؤيتها المستقبليّة لبلادها… قدّمت لأطفال المدارس وللشّباب درسا عمليّا في التّسامح وفي اجتثاث كراهيّة الآخر من صدورهم، يغني عن عشرات المحاضرات والدّروس النّظريّة والإصلاحات الشّكليّة لمتظومة التّربية، التي لا تلمس جوهر الإنسان.
ما أحوج حكّام العرب الذين يذبحون شعوبهم وينشّرونهم بالمناشير ويقذفونهم بالبراميل المتفجّرة ويسحقونهم بالدّبّابات في السّاحات العامّة.. “إلى دروس جاسيندا” ليتعلّموا منها فنّ السّياسة. تجاوزت المحنة بصفر خسائر. والدّعوة موصولة لأبناء الجبهة الشّعبيّة في تونس ليتعلّموا منها تجاوز عوامل التفرقة وتغليب دواعي العيش المشترك وقيم المواطنة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock