تدوينات تونسية

الحراك الشعبي الجزائري في أسبوعه الخامس

زهير إسماعيل
نجح الحراك الشعبي في جرّ النظام إلى ساحة “الصراع السياسي”، هذه نتيجة مهمة. فقد تعوّٰد نظام الاستبداد العربي على فرض منطق القوة في مواجهة مطالب الحرية والعدالة والتنمية.
والخطوة الجديدة المنتظرة أن يحققها الحراك الشعبي هي فرض “الصراع الديمقراطي” على نظام قديم سليل حركة التحرير متمرّس بالأزمات وقادر على الحفاظ على مصالح مكوناته وقاعدته السياسية والاجتماعيّة بمختلف الطرق.
وفرض الصراع الديمقراطي على النظام يعني الدخول في مرحلة انتقالية تتوتّر بين التأسيس الديمقراطي والإصلاح السياسي.
مطلب رحيل النظام، ناجع في رسم سقف عال للمفاوضات، ولكنه لا يمثّٰل برنامجا ولا خطوة في فرض الصراع الديمقراطي . والمنتظر من الحراك أن يقدم خارطة طريق مضادّة ما دام قد عبّر بالتظاهر المتواصل عن رفضه لخارطة الطريق التي تقدمت بها السلطة.
السلطة لن تنهار تحت الضغط الشعبي، ولن تُخلي الدولة ومؤسسات الحكم لمجرد مطالبتها بالرحيل، وإنّٰما المتاح هو الدخول معها في مفاوضات ممثّٰلة للوصول إلى مرحلة انتقال تقوم على إصلاحات سياسية عميقة وإن كانت متدرجة.
بعد خمسة أسابيع، يتوقّٰف الصراع السياسي بين السلطة والحراك الشعبي عند تمسّك الحراك الشعبي برحيل النظام ورفض التحاق المعارضة وأحزاب الموالاة بالحراك، وبقاء السلطة عند خارطة الطريق التي اقترحتها (سحب الرئيس لترشحه وتمديد عهدته، الندوة الوطنية، الهيئة المستقلة للانتخابات).
عناصر القوة في الحراك الشعبي الجزائري :
سلميته وطابعه الشعبي الواسع الموحَّد، وتركيزه على المطلب السياسي وعدم انجراره إلى المطلبية الاجتماعية والفئوية المقسِّمة، وتشديده على رفض التدخل الخارجي (فرنسا) في شأنه الوطني (برز هذا شعارا مركزيا اليوم).
السلطة، رغم انفضاض عديد القوى السياسية والحزبية من حولها تبقى موحّدة حول مصالحها والتحدي الذي يواجهها، ولها من يمثلها ومن ينطق باسمها، في حين مازال الحراك يعبّر عن نفسه ميدانيا وليس له من يمثله وينطق باسمه في تفاصيل الانتقال السياسي وطبيعة الإصلاحات. وقد يكون غياب التمثيل من العوامل التي من شأنها إضعاف الحراك وحصره في موضع رد الفعل. مثلما قد يكون الاختلاف حول من يمثله مقدمة الى انقسامه.
هل يحتاج الحراك إلى من يمثله؟
المثالية السياسية وعنفوان اللحظة يجيبان بلا، وكذلك اعتبار التمثيل مدخلا إلى الركوب على المطالب والانحراف عن الأهداف، غير أنّٰ تجارب الانتقال السياسي والإصلاح الديمقراطي وحقيقة نظام الاستبداد العربي وامتداداته الإقليمية والدولية تدفع إلى أهمية التعجيل بتفويض قوة تمثّٰل الحراك الشعبي التاريخي تمثيلا مناسبا.
وهو ما سيمكن من الدخول في تصريف شعار رحيل النظام وتجسيده في مؤسسات تكون مدخلا لفرض الإصلاح السياسي. فتطرح الأسئلة الملائمة: كيف يفرز الحراك الشعبي من يمثله؟ ، وكيف يتم اختيار أعضاء الندوة الوطنية ومهامها ؟ وبأية وسيلة تُبنى الهيئة المستقلة للانتخابات؟ وما العمل بالموعد الانتخابي في نهاية شهر أفريل؟ وما هي المرجعيّة الدستوريّة والقانونية لكل ذلك؟…
ولعل أهم الأسئلة وأخطرها يتعلق بموضوع الانتخابات من ناحيتين:
توفير شروط نزاهتها وشفافيتها وديمقراطتها ووظيفتها (بعضهم قد يختار ضبط حدود مشاركته، ولِمَ لا تأجيلها، إذا دقّ حسه الاستراتيجي !!).
دقة اختيار موعدها قياسا إلى درجة التوافق بين أوسع القوى الحزبية والسياسية والاجتماعيّة الفاعلة. فكلما اتسعت مساحة التوافق كانت الانتخابات مقدمة إلى الإصلاح والبناء. وبخلاف ذلك تكون الانتخابات سببا إلى انقسام سياسي (قد يتطور إلى انقسام هووي مدمر) المستفيد الوحيد منه هو القديم لما يوفره له من ظروف الانقلاب على التجربة (الظروف السياسية لانتخابات تونس التأسيسية في 2011، وانتخابات مصر في 2012).

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock