تدوينات تونسية

رقّة روحيّة.. يفتقدها الذُّكْرانُ من السّاسة

عبد القادر عبار
لقد تعوّدنا فيما شاهدنا في السنوات الخوالي عند لحظات الأحداث الإرهابية العصيبة التي فجعت وفاجأت بعض الدول مثل أحداث 11 سبتمبر في أمريكا.. ومقر صحيفة شارلي في فرنسا.. والقنصلية السعودية في تركيا.. أن يظهر علينا “عزيز” البلد المنكوب منتفخ الأوداج.. متوتر الأعصاب، رُخاميّ الملامح.. “مكشكش الفم”. يرعد ويزبد.. يتطاير الشرر من عينيه مهددا ومتوعدا.
إلا أن ما رأيناه من رئيسة وزراء نيوزيلاندا “جاسيندا أردرن”.. كان مغايرا تماما.. وعلى غير المألوف من العرف السياسي الذكوري.
فقد طغت مشاعر الأنثى الناعمة، ورقة المرأة الوديعة الحانية، وخجل المسئولة المُحْرَجَة على ما رأينا من ظاهر حراكها وسمتها في تواصلها مع أسر الشهداء وفي ردود أفعالها تجاه الحدث الفاجع الذي وقع في عقر وطنها والذي عصف بسمعة بلدها المشهور بالسكينة والهدوء والسلم الاجتماعي والتعايش الحضاري بين أقلياته.. فالأسف البادي على وجهها يبدو غير متصنع، كذلك تأثرها الإنساني الذي فضحه بلَلُ عينيها الذابلتين حُزنًا وأسفًا وتعاطفا واعتذارًا.. لا ينتمي إلى المجاملة الديبلوسية… ما ريناه منها وما ظهرها من تصرفها يترجم رقة روحية نادرة رُزِقَتها هذه الوزيرة، أبهرت بها المتابعين وهي التي -للأسف- يفتقدها الذكور من ساسة العالم.
وإن صورتها الرائعة -وهي صورة من ذهب كما يقال- التي ملأت صفحات التواصل الاجتماعي، وهي تحتضن بحب وتعاطف وتأثر صادق إحدى أمهات أو زوجات أحد شهداء الفاجعة.. لخير شاهد.
أما الذُّكْرَانُ من ساسة العالم.. في هذا الزمن الرديء.. فتراهم يصرون في اللحظات الوطنية العصيبة على أن لا يظهروا أمام العالم وأمام شعوبهم الا في صورة “الجَعْظريّ الجوّاظ”.. كما جاء في الحديث النبوي.. أما الجَعْظريّ فيفسره أهل العلم: بالمتكبر، الجافي عن الموعظة، المنتفخ.. ويفسرون الجوّاظ: بالمختال، الغليظ الفظ. وبالأكول الشروب، البَطِر الكفور.
– فهل يتعلم ذُكْرانُ ساستنا من سيّدتهم.. أنثى نيوزيلاندا.. فيتـزيّنوا بالرقة ويتحلّوا بالإنسانية ؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock