تدوينات تونسية

الباجي وخطبة الوداع

عبد القادر الونيسي
لا يعلم الغيب إلا الله ولكن نبرة الخطاب الأخير للباجي وإستحضاره للموت في مفاصل عديدة ثم السمت الحزين الموشح باليأس الذي طبع الخطاب توحي جميعها بأن الرئيس قد ألقى البارحة في القصر خطبة الوداع.
الوداع لا يعني حتما الموت فأعمار الخلق بيد الله وحده ولكن يعني كذلك الموت السياسي ومغادرة السلطة ودائرة الحكم..
توديع الشعوب عند كبار الزعماء يكون عادة بإشاعة الأمل، وبث معاني الفخر والإعتزاز بالإنتماء للوطن وإستحضار القيم الكبرى لمجتمعاتهم.
ظهر الرئيس متعبا مشتت الأفكار فاقدا للبديهة في خطاب مقطع الأوصال دون خيط رابط بين فقراته هزيل في مبانيه وفقير في معانيه.
لم يتكلم الباجي بمنطق الزعيم المتعالي على ألاعيب السياسة السخيفة. لم يتكلم بمنطق رئيس الدولة بل تكلم بلسان المنتصر لذاته وعشيرته وآنخرط بالكامل في تصفية حساب مع الشاهد صنيعته الذي خدعه وشق عصا الطاعة في وجهه وعلى الحكومة وكأنه نسي أن حزبه يحتل أهم مفاصلها.
ثنى بعد ذلك بهجوم صاعق على الحليف القديم الذي آنتصر لخصمه اللدود مجهضا حلم العائلة في توريث السلطة.
صاحب الخطاب نبرة تهديد بالتخلي عن تمديد قانون الطوارئ للضغط على الحكومة والمجلس التشريعي من أجل توسيع صلاحيات الرئيس وهنا لامس الباجي قاع السياسة في أبشع معانيها.
ختم الباجي خطابه بمقولة وحدة الصف المستهلكة والتي لم تعد تعني شيئا أمام فضاعة ما تقدم من الخطاب.
ظهر يوسف الشاهد منشرحا تبدو عليه علامات الإنتصار عكس الغنوشي الذي بدت عليه علامات الحيرة وهو الريفي الذي اختاره القدر ليكون حكما في “عركة بلدية” بين حليف قديم يحقد عليه مازال قادرا على إيذائه وحليف جديد لا يطمئن إليه ولا يرجى نفعه.
لم يكن الباجي البارحة كبيرا وربما لم يكن حاضرا أصلا وكأن المتكلم على لسانه جني العائلة والمستشارين.
{وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock