مقالات

سرك تونس السياسي.. رمزه التجول بالكلاب في شاطي المرسى

أبو يعرب المرزوقي
سرك تونس السياسي كيف نفهمه؟ كلنا يرى أن تونس فيها اليوم 217 حزيبا بعدد نواب الشعب في المجلس 217 نائبا وسمعت أن “نائبة” جديدة ولدت جديدا و”نجت” من مأساة المستشفى لأنها ولدت ميتة واسمها “قادرون” على أثبات عجزنا قد انضمت إلى السرك السياسي التونسي.
ظاهرة سركية فيها البسكلات والنخل والمفاتيح وكلها تفيض حبا وتموت عشقا في “إنقاذ” تونس دون تحديد عدو واحد يريدون إنقاذها منه هو أيضا حزب آخر يشعرون أنه يمكن أن يحرمهم من التعبير عن حبهم بسهم في الميراث الذي تركه ابن علي أعني حصة من فضلات مافياته التي “مشمشت” تونس “تمشميشا”.
لكن ما يكاد يقتلني ضحكا هو التقافز والتسارع للترشح للرئاسة. فلا أحد ممن أراهم يقدمون أنفسهم على أنهم أمل إنقاذ تونس قادر حتى على إنقاذ نفسه من خيلائه وتسردكه فيدعي أنه فارس اللحظة والمنقذ المنتظر ولو سألته عن طبيعة الخطر الذي يريد إنقاذنا منه وقاعدته لو وجدت حقا لكانت البسكلات تكفي لنقلها. واللي يحسب وحده يفضل له.
وسأحاول تصنيف هؤلاء المنقذين السركيين بمدى سركيتهم. أكاد أزعم أني أعرفهم واحدا واحدا أو فردا فردا وأعرفهم محالهم زنقة زنقة. وهم قابلون للتصنيف بالأجيال أو بالإيديولوجيات أو بأحوال النفس أو العقد التي تتجلى من سحنهم وسلوكهم أو أخيرا بما يدعونه من تمثيل طبقي أو مناطقي أو “ثقافي”.
وأبدا بالأجيال. فكل الشيوخ الذين عاصروا بورقيبة وابن علي “ترانهم زفر”. لم يعد لهم في السوق ما يذوقوا. ولا حاجة للكلام عليهم يكفي خرافة الشابي “قادرون”. ربما قادرون مثله على التجول في الشاطيء صحبة كلبين. والجيل الذي يدعي الإنتساب إلى المعارضة نوعان:
1. قوادة الليل معارضو النهار ولا أحد يجهل من هم.
2. فتات حزب الشابي والمرزوقي وابن جعفر.
وكلهم مجتمعين لن يتجاوزوا الصفر فاصل بمعنى الفاعلية السياسية للكلمة الموجبة لأن الإفساد سهل ويمكن أن يحققه حتى من لا وزن سياسي له كما هو بين من استعمال مافية الإتحاد وبقايا مافية ابن علي. لكن ذلك لن يجعلهم قادرين على عمل شيء موجب لتونس حتى لو صاروا مائة حزيب.
ولذلك فالكلام عليهم لا فائدة منه إلا إذا كان لبيان استراتيجية الإفساد والضرر الذي يلحق بتونس وإمكانية تحقيق الإنتقال الديموقراطي بسلاسة وسلمية. فهم كاراكوز السرك السياسي ونابحو المجالس والبلاتوهات وربما مغذيو الإرهاب الوظيفي من أجل تعطيل المسار الديموقراطي. ولا فائدة من سماعهم لأنهم لا يسمعون بعضهم البعض وكلهم يدعون الوسطية والتنوير والعلمانية رغم كونهم جوهر الفاشية والترشح للإثراء السريع مثل تجار النفة والروبافيكيا.
فقد اكتشف الكثير من أصحاب “الباتيندات” السياسية أنها تفتح لهم باب التجارة لدى الثورة المضادة العربية وذراعي الاستعمار أي إيران وإسرائيل وكذلك الاستعمار الذي لم يغادر إلا على الورق كما يثتب ما كان مخفيا من الورق لأنه ما يزال مسيطرا على ثروة البلاد وأرزاق العباد وأدوات الاستعباد.
ويكفي لفهم ذلك مشاهدة الحاضرين لحفلات السفارات حتى ترى القوادين والقوادات والمصفقين للسيسيات والملاليات والحاخامات وعناق ممثلي ممولي الحزيبات والجمعيات ودعاوى المجتمعات المدنيات التي تكاد تضاهي بتعدادها وتنافسها ما يجري في كل الشركات التونسية التي تستعمل أضعاف حاجتها من العمال وأصحاب المسؤوليات على تخريب الإمكانيات.
ولو لم يكن هذا سركا سياسيا لتساءلوا عن شروط الفعل السياسي ما هي: فليس كل من هب ودب يمكن أن يحقق مهمة السياسة التي هي لا تتجاوز أمرين:

  1. حماية الجماعة في ما بينها وفي ما بينها وبين غيرها من الجماعات المحيطة بها والمنافسة لها على شروط قيامها المادي والروحي.
  2. رعايتها ماديا وروحيا.

وواضح أن ذلك كما عرفه ابن خلدون مشروط بقاعدة سياسية تمثل قوة شعبية سياسية ذات ثقل مؤثر في مجريات العمل السياسي الذي يؤسس لشرعية فعلها ولفاعليته غير السركية والكاراكوزية وهو ما كان يرمز إليه بمفهوم العصبية أو الشوكة شرطا في حصول أغلبية قادرة على الحكم المؤدي لهذين الوظيفتين الحماية والرعاية. والمعلوم أننا لو نظرنا سياسيا للمجال السياسي في تونس لوجودنا أن السرك علته غيابها.
فإذا ما استثنينا الإسلاميين والبورقيبيين فإن بقية الحزيبات كلها بعضها لا بعض لا يساوي حضور أي من هذين الحزبين في مدينة واحدة من مدن تونس. يعني 215 حزيبا مجموعها لا يساوي ممثلي الإسلاميين أو البورقيبيين في أي مدينة تونسية. وكل حزيب قاعدته هي زعماؤه وجلساؤهم حيث يجلسون.
ولهذه العلة لما قبلت الترشح مستقلا ولو على رأس قائمة نهضوية قلت في أول لقاء من الحملة الانتخابية تونس تحتاج إلى مصالحة بين الثعالبي وبورقيبة رمزا إلى الإسلاميين والبورقيبيي وخاصة بعد أن تجاوز التاريخ ما فرقهم: الصراع بين التأصيل والتحديث في النصف الأول من القرن الماضي.
طبعا لا أعني أن السياسة حكر عليهما بل أعني أن السياسة التي تريد فعلا إخراج تونس من الصدام الحضاري الهدام. فـجماعة قادرون -وكلهم يعملون بمنطقها- ليس لها من دور عدى التمعش من هذا الصدام الحضاري الهدام. وبقية الـ215 حزيبا كما يتبين من كلامهم هو مواصلة هذا الصدام الحضاري الهدام. فبرنامجهم هو الجواب عن سؤال صريح عند البعض ومضمر على الباقي وهو: كيف نزيح النهضة. لكن كان عليهم القول: كيف نزيح ثقافة الشعب.
ولأجبهم: أنتم “قادرون” بمعنى قادرون على التجول بالكلاب على الشاطي. فما فشل فيه الاستعمار طيلة 70 سنة وما فشل فيه النظام السابق بمرحلتيه طيلة 60 سنة مع ما للأستعمار من قوة ومع ما لبورقيبة وابن على من إمكانات أضيفت للاستعمار لا يمكن أن ينحج فيه من جلهم كانوا من قوادة هذا الأخير أو أصبح لهم وجود سياسي بـ”التفريخ” عن تفتت حزب المرزوقي وابن جعفر والشابي: فكبار الحومة ما زالوا أحياء.
صحيح أنكم قد تستفيدون من الثورة المضادة العربية تمويلا ومن السيسي وحفتر ومن يجانسهم ربما في الجزائر. لكن احذروا فما فشلت فيه سوريا بمساعدة إيران ومليشياتها وإسرائيل وتغطيياتها وبوتين وطائراته وأمريكا ومناوراتها لعدم قدرتهم على إيقاف ثورة الشعب السوري لن تستطيعوه أنتم فافهموها.
حربكم خاسرة ألف في المائة فعودوا إلى رشدكم واعلموا أنكم لن تغيروا من الأمر شيئا. الأمة تستأنف وإن بكلفة كبيرة لكن استئنافها لن يرده “قادرون” لأن الناطقين بها عاجزون وسيعزون في كل مراحل استئناف دور الأمة في الإقليم كله وليس في تونس وحدها. ثورة الجزائر ستكون سندا لنا و”ترانكم زفر”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock