مقالات

في ذكرى عيد "الإستبغال" !

فتحي الشوك
صرحت زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية ماري لوبان بأن الاتفاقيات بين فرنسا والجزائر وتونس يجب أن تبقى على حالها وإذا غير الجزائريون والتونسيون النظام فإن فرنسا دولة نووية!
تصريح يبدو فجا غليظا يصدر من شخصية تثير الجدل، كلمات قاسية صادمة تعري حقيقة الإستقلال، فهل يحق لنا أن نحتفل بمناسبة تبدو وكأنها من وقع الخيال وأكذوبة كبرى يقع من خلالها الضحك على الذقون؟ أم أنه بفقه الواقع لم يكن بالإمكان أفضل مما كان؟
فرنسا الإستعمارية، تاريخ من الفظائع
ابتلعت فرنسا البلاد التونسية بحجة عجزها عن تسديد ديونها وبعذر تأديب قبيلتين تناوشتا على الحدود الجزائرية التونسية لتصبح بمقتضى إتفاقية باردو في 12 ماي 1881 البلاد التونسية محمية فرنسية كان للمحليين مساهمة شكلية في إدارتها، لتغتصب خيراتها وتحتكر مقدراتها وتقوم بسلسلة من الفظائع هنا وهناك كلما برزت بوادر رفض أو مقاومة.
والملاحظ أن أفظع الجرائم من مجازر واغتيالات طالت رموز الحركة الوطنية كفرحات حشاد والهادي شاكر وعبد الرحمان مامي وقعت حينما كان البعض يفاوض لأجل الإستقلال الذاتي وينعم بالإعتقال في سجون من فئة الخمسة نجوم، ليدرب في الأخير على ركوب الحصان فيعود مظفرا في مشهد وقع إخراجه بعد أن تبين لهم بأن عليهم تغيير جلدهم والإنتقال من الإستعمار المكلف إلى الإستحمار المثمر والأقل كلفة.
في مجزرة تازركة كما يقول المناضل حمادي غرسة في إحدى جلسات الإستماع العلنية لهيئة الحقيقة والكرامة أن الفرنسيين وبمشاركة تونسيين قاموا بإخراج الرجال بمدينة تازركة في جانفي 1952 وتجميعهم في بطحاء تحت حراسة مشددة وليعدموا كل من حاول المقاومة ثم قاموا بهتك أعراض النساء واغتصابهن.
أما الإغتيالات التي تمت فإن من قاموا بها من عصابات اليد الحمراء فقد تم إطلاق سراحهم من طرف السلطات التونسية مباشرة بعد إعلان الإستقلال، إغتيالات كانت تتم حسبما يبدو بعلم زعيم البلاد وهو ككل الطغاة والمستبدين في محيطنا العربي لا يقبل أن يكون له شريكا.
عيد “الإستبغال”
تاريخ فرنسا أسود مثل كل تاريخ الدول الإستعمارية الغربية ضمن رؤيتها المتضخمة لذاتها والمتمحورة حولها.
آلاف الضحايا سقطوا منذ دخول المستعمر الفرنسي والقائمة لم تتوقف حينها لينضم إليها آخرين بعد إعلان كذبة الإستقلال المزعوم، فمجزرة آڨرو بتطاوين وقعت في 29 ماي 1956 وجثامين الشهداء مازالت هناك ولم يسمح بدفنها إلا مؤخرا بعد ثورة 17 ديسمبر المجيدة.
خرجت فرنسا صوريا لتبقي تفريخاتها المزروعة التي أكملت المهمة على أحسن وجه بل كانوا ملكيين أكثر من الملك نفسه.
نحتفل في العشرين من مارس من كل سنة بعيد أكذوبة الإستقلال وكلنا يعلم أننا نكذب على أنفسنا لنكرر الكذبة حتى صدقناها.
أثبتت الوثائق التي كشفتها لجنة الحقيقة والكرامة أن تونس ماتزال ترضخ تحت الوصاية وأن ثرواتها منتهكة وهي بيد التصرف الحصري للمحتل الذي غير جلده بدون أن يتخلص من مخالبه والتي مستعد إلى أن يستعملها كلما اقترب إحدهم من المنطقة المحرمة. كان شارل ديغول مطمئنا بشأن مستقبل المستعمرة فهو كما صرح قد ترك في تونس تونسيين أكثر فرنسة من الفرنسيين.
ويكفي أن أغلب شوارع عاصمتنا وبعض مدننا هي بأسماء من إغتصبنا.
ويكفي أن سفير دولة فرنسا “الصديقة” يتصرف كحاكم بأمره وبصفة مقيم عام فوق الرتبة.
ماري لوبان كانت صريحة أكثر من البقية فجميعهم بنفس تلك العقلية، وما لم تعلمه أننا لا نستحق لقصف بسلاح نووي، السلاح الذي استعملت لأجله آلاف الجزائريين كفئران تجارب في الصحراء والذي صحرت به بيئة بحرية قرب مدغشقر كانت تشبه الجنة، نحن قصفنا طيلة عقود في عمق نواتاتنا الثقافية حتى صرنا كينونات مشوهة هجينة تقاد كقطيع وتستعمل حطبا في المعارك الوهمية.
كانت الثورة التونسية هي بداية لتصحيح المسار وتوجيه البوصلة نحو المعارك الحقيقية: معارك التحرر وتقرير المصير وتحقق السيادة ومواجهة الإستبدادين الداخلي والخارجي، وقد ظن البعض أنها أجهضت وتم قبرها لتندلع مرة أخرى موجات أخرى في السودان وخصوصا في الجزائر لتعبر الجماهير عن رغبتها في التحرر الحقيقي وهو ما يعتبر خطا أحمر في منظومة الإستبداد العالمي.
مازال البعض يصر على لوك علكة الإستقلال مستمرا في تزييف الوقائع وتزوير التاريخ وممارسا للدجل والإلهاء حتى لا تتوفر شروط وعي حقيقي بواقع الذل الذي نعيشه وحتى لا تتوفر الإرادة لخوض معركة الإستقلال الحقيقي والتي حتما تمر عبر معركة وعي طويلة وقاسية لكنها حتمية وواجبة.
عيد إستقلال! هو لا يبدو كذلك؛ قل عيد الإستحمار أو “الإستبغال” أو عيد “الإستقلاب” حينما سلم المستبد الخارجي المشعل لصنيعه الداخلي ليمارس إحتلالا أشد وأنكل. لن نحتفل بذكرى هي من وحي الخيال وسنسعى وننتظر إلى أن تتحقق لنحتفل حينها كما لم يخطر على بال.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock