تدوينات تونسية

هناك رائحة طبخة كريهة جدّا !!

عبد اللطيف علوي
أتابع هذه الأيّام التناول الإعلاميّ لكارثة مستشفى الرّابطة. لا أحد يدّعي احتكار الإنسانيّة والألم في هذا الموضوع، ولن نتبارى في توصيف ما حدث بالمأساة أو الكارثة أو المذبحة أو في وصف ما حدث بأنّه جريمة تامّة الأركان، ولكن…
هناك أشياء توحي بأنّ طبخة مسمومة يقع الترويج لها ركوبا على هذا الحدث، ظاهرها صدمة ومشاعر إنسانيّة نبيلة وباطنها شيء آخر.
من المستفيد من شيطنة المرفق الصّحّي العمومي بهذا الشّكل التخريبي الممنهج؟ من له المصلحة في الركوب على الحدث لتدمير أيّ ومضة أمل لدى النّاس؟
حالة التّخمّر الجماعي التي يتظاهر بها الجميع، منها ماهو حقيقيّ ومنها ما هو مجرّد دروشة وتمثيل. بلاتو معزّ بن غربية على قناة قرطاج ذكّرني بتلك الليلة التي جلب فيها من يرفع الكفن في وجه علي العريض.
الوليّ الملتاع الذي أحضره، نتفهّم أوجاعه وحرقته، لكنّ ما تلفّظ به في كثير من الأحيان تحت تشجيع المهبول وطربه وانتشائه الواضح، يدلّ على التوظيف الكامل لغايات أخطر بكثير ممّا تبدو (سبّ وتحقير لكل الأطباء والسياسيين ونحن على أبواب أبواب الانتخابات، تكرار عبارة تونس بلد محتلّ!! وكلام آخر كثير أقرب إلى الهستيريا..).
مثلما استثمروا في دماء بلعيد والبراهمي والجنود الشهداء، هاهم يستثمرون في دماء الرضع الملائكة.

تشعر أنّها حملة تدمير كامل لما بقي من أمل لدى الناس، حالة تسويد لكلّ شيء، من المستفيد من كلّ ذلك غير المصحّات الخاصّة؟ (منذ وقوع الحادثة هناك هجرة جماعية نحو المصحات ووقع الترفيع في معاليم الولادة إلى الضعف!!)
يجب أن أكون قد فقدت عقلي تماما لأصدّق أنّ معز بن غربية ومحامي بن علي وغيرهم، أكبادهم محروقة على صحة الفقراء إلى الدرجة التي تجعلهم يقيمون مواكب العزاء والنواح والنديب في البلاتوات على روح الصحة العمومية؟)
يؤلمني أن يقع تجريم الالاف من الأطبّاء والممرضين بالجملة، أن ننسى تضحيات الكثيرين منهم وصبرهم على ظروف العمل المستحيلة، وأن ننسى أنّ هناك عشرات الآلاف من المرضى، وجميعنا لدينا من أقاربنا أو أهلنا من تلقّى العلاج في العموميّ وأكرمه الله بالشّفاء… أنا أحد الذين أجريت عليهم عمليات جراحية في المستشفى، ورأيت من يفني عمره ليل نهارا بوجه باسم ويدين حانيتين، مثلما رأيت قلّة ممّن يتصرّفون بلا إحساس ولا ضمير! ننسى كلّ ذلك ونمضي في شيطنة جماعيّة وتسويد كامل وتيئيس للناس وتبخيس ظالم لجهود الأغلبية الغالبة من الطيبين.
الكوارث والجرائم حدثت وستحدث دائما، الدّول العادلة والشعوب اليقظة تتصدّى لها وتحاسب المسؤولين وتستخلص منها الدّروس، أمّا الشّعوب التي تحكمها مافيات الإعلام الفاسد ولوبيّات المصحّات الخاصّة وعقليّات النّواح واللّطميّات، فسوف تستغلّ الجريمة لتدمير المرافق العامّة مثلما يستغلّ الإرهاب لتثبيت عروش الطّغاة.

#عبداللطيفعلوي

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock