تدوينات ساخرة

دليل الساري إلى مثالب اللحّاس العماري

عادل بن عبد الله
ومن كرامات الشيخ الأجلّ سيدي الباجي قائد السبسي منذ تربّعه على عرش إفريقية -ورجوع الأمر إلى “الملاّكة” بعد أن توهّم “الكرّاية” أنه قد صُرف إليهم- أنّ الله قد أظهر له كرامات محدثة لا شبيه لها ولا طمع في القياس عليها، ولم يرد ذكرها فيما سبق من الملل والنُحل، ومنها أنه قد جاوز رتبة إنطاق الجمادات على عهده وذلك لظهور هذا المعنى وشيوعه فيمن سبقه من الأولياء، فكان أن أنطق الله له المعاني والمعقولات وجعلها من ذوات الأربع،.
من ذلك ما يرويه أهل إفريقية من سيرة اللّحاس الأعظم، “المخبر الأكمل” لطفي العماري، فقد أربى هذا “الشيء” في اللحاسة والتّياسة والخماسة حتى بلغ منتهاها وبزّ فيها السابق واللاحق وعلا كعبه في فنونها على سائر الأقران فسارت بغرائبه الركبان، وتحدثت بعجائبه النساء والولدان.
فكان أن اتخذه المبتدؤون في علوم اللّحاسة حجة لا ينازع وشيخا لا تُردّ له إشارة ولا تفوتهم منه عبارة. وتواترت الأخبار من العدول الثقات الذين يستحيل تواطؤهم على الكذب، أنّ الله قد صوّر “اللّحاسة” على هيئة قرد وأنطقه بلسان عربي مبين (وشذ بعضهم فقالوا بل ظهرت اللحاسة على هيئة كلب وأنطقها الله بلغة الفرنجة، ولكن المحققين قالوا إن هذا وهم من الراوي الذي اختلطت عليه هذه الواقعة بكرامة أخرى كانت لأحد السفيانيين)، فتداعى الناس من الجهات الأربع على اللحاسة وقد صارت قردا، وكان مقصد طائفة منهم التبرك بها، وكانت طُلبة طائفة أخرى الوقوف على حكمة ظهورها وما وراءه من الأسرار التي لا يقف على حكمتها الخفية إلا القليل.
لكنّ القرد نفر من الكل، وزهد فيمن أقبل عليه باشّا مطمئنا أو أدبر عنه متوجسا خيفة. قال الراوي إن القرد سأل بعض من حضر الواقعة عن مقام القطب الأعظم قائد السبسي “قدس الله سره”، فدلّه قومٌ على الزاوية الندائية بضاحية سكرة المعمورة، ونصحه غيرهم بالانحدار إلى قصر قرطاج “المهيب”. وقد روى من أثق في محصول عقله وسلامة حواسه أنه رآه يطير بعد ذلك وهو يزمزم بكلمات غير مفهومة لم يذكر الحاضرون منها إلا “العماري تييت… العماري تييت … العماري تييت”.
قال أهل السيّر أنه بلغ قصر قرطاج في لمح البصر، فاستأذن في الدخول على القطب الأعظم سيدي الباجي قائد السبسي فحال دون ذلك المقدّم في الطريقة “سيدي نور الدين بن تيشه”، إذ كان ذلك وقت أوراد القطب الأعظم التي أقسم بعد أن ظهر على غريمه المرزوقي ألاّ يتركها وألا يؤخرها عن زمانها مهما كان الأمر جللا. قال الراوي: فانتظره القرد على مضض وهو يمتم بكلمات لم يفهم الحاضرون منها حرفا وإن كان في ظاهر حاله يكاد يتميّز من الغيظ. وبعد أن أنهى مولانا الباجي أوراده استأذنته الحاجبة “السيدة سعيدة قراش” في إدخال القرد عليه فأذن لها بإشارة بينهما جرت مجرى العبارة، وأمرها بأن تُغلّق الباب عليهما وألا يُدخل عليهما أحدٌ كائنا من كان.
قال بعض “شرفاء” المريدين أنه قد كان بينهما من المطارحات والمناجيات والأسرار ما لا يجوز بثّه بين العامة ولا الخاصة ولا يصلح فيه إلا التسليم، إذ هو داخل في حكم: “وكان ما كان مما لست أذكره***فظُن خيرا ولا تسأل عن الخبر”، ولكنّ بعض أهل الطريقة الندائية ذكر عن أبيه أنّ القرد ركع بين يدي سي الباجي وقبّل بين عينيه وقال له وهو يبكي: يا مولانا لقد أهلكني أحد عبيدك وخَولك المدعو لطفي العماري حتى سألت الله أن يجعلني على هيئة قرد كي أرفع ظلامتي إليك. وقد علمت أنك مولاه وأنه يخشاك فوق خشيته ليوم كشف الغطاء، فأسكتْ عني ألسنة رعيتك واجعل ذلك بعض حسناتك التي تلقى الله بها، فإنّ الناس قد نسبوا إليَّ “التيييييت لطفي العماري” ظلما وعدوانا، وظنوه بضعة مني أو بابا إليّ أو صورة من معانيَّ، وما علموا أنه قد نزل دوني دركات، وأنه قد أبعد النجعة في الحقارة حتى صرت في عهدك أتشوّف لمكارم الأخلاق وما أنا منها، فإن رأيت -قدّس الله سرك- أن تُؤذّن في الناس أنّ “صاحب اللّحاسة” براء من “التيييت العماري” ورهوطه، وإن شئت أن تتمّ فضلك فاحشر المفتين واجعل عليهم “سيدي فريد الباجي” ومُره أن يقول على رؤوس الناس أنّ المثالب كلها (ما ظهر منها وما بطن) برييييييييييئة من العماري إلى يوم الدين”..
فأطرق القطب الأعظم إلى الأرض ثم استوى واقفا وقال للقرد: “برّه رهّز أيها القرد… والله لو جئتني بـ”فلوكة حوس” وتشفّعت إلي بالسيدة فجرية أو تمرغت في تراب الشعب الترابية والمهنية كلها ما أجبت طلبتك. أما علمت أنّ لطفي في فقهنا بمنزلة “المكاتب” فلا هو حرّ فيفهم من الإشارة ولا هو عبد تقوّمه العصا، وقد كاتبناه على شرط أن تكون “اللحاسة” أحب إليه من صدق العالمين، وعلى أن يكون استواءه واقفا من انحناءة دهره أبغض إليه من “الخوانجية”، وهو مني بمنزلة صالح الحاجة من أخي زعبع، وإني لن أتبرّأ منه ولن أخلعه ولو مسخني الله قردا أو فلوكة أو حتى “زايلة” أو “قريقية”…
قال الراوي: فصرخ القرد صرخة لم يسمعها ذو عقل وسمعتها البهائم حتى في أدغال إفريقيا ومجاهل الأمازون، ورفع رأسه إلى السماء ودعا بدعاء اهتزت له أركان الزاوية الندائية وتشققت حيطانها وهي على ذلك الحال إلى يومنا هذا، وكان ممن سمع صرخته من السوائم لطفي العماري. وقد اختلف الرواة في ما أصابه من دعاء القرد فقال بعضهم إن العماري قد صار أبكم لا يتكلم، وقال غيره إن عقله قد اختلط وصارت به لوثة. وقد رآه بعض العوام عاريا في شارع الحبيب بورقيبة ضاربا في الأرض بغير هدى وهو يقول: “يا لحّاسة الباجي هرب…”، وشذّ آخرون فقالوا: إنّ الله قد رفعه إليه مكبلا بسلاسل -مثل فعله بـ” العفاريت”- رحمةً بخلقه في هذا الوقت، وسينزل في آخر الزمان وسيكون هو الدجال الذي تواترت الأخبار بذكره في أبواب علامات الساعة وملاحمها وفتنها، والله أعلم”.
كتاب، دليل الساري إلى مثالب اللحاس العماري، الباب الأول، الرهبوت والرغبوت في لاوعي الثقفوت، ص7، دار الفلوكة لفنون اللحاسة وما جاورها، حقق الكتاب: هادم اللذات ومفرّق الأحزاب والجماعات خميس قسيلة، وخادم الفرنجة والانغلوساكسون والأعراب محسن مرزوق. وصدر الكتاب عن دار الكاريزما للتحيل السياسي. د.ت
#زمناللحاسةباقويتمدد

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock