تدوينات تونسية

شيء من المنطق العربي ومفارقاته ..

علي المسعودي
المشهد في الجزائر هو حقا مشهد عبقريّ، يروي باقتدار تراجيديا الحالة العربية بأسلوب الكوميديا السوداء..
طوفان من البشر يخرج للساحات مُحتجّا، جماهير ترسم على اسفلت الشوارع غضبا ممزوجا بالفرح، ليس من أجل اسقاط النظام، ولا من أجل إرساء ديموقراطية الحدّ الأدنى أو الحرّية والعدالة… إنها تنادي فقط بعدم تقديم شخص بعينه ترشحه للرئاسة !!
ربما علينا أن نضيف في هذا المقام مفارقة منطقية عربية خالصة : مفارقة الترشّح.
إن طالبت بعدم ترشيح شخص ما لنفسه فهذا مخالف لمبدإ الحرية الفردية، وإن سمحت له بالترشح فقد ضربت أيضا مبدأ الحرية الفردية نتيجة لذلك !
ولكي نفهم الأسس التي جعلت من هذه المفارقة ممكنة، ينبغي أن نذكّر بأن هذا الشخص هو رأس النظام على مدى أربع دورات متتالية، وأن ضروبا من الشكّ تحوم حول وجوده على قيد الحياة !..
وهكذا تتشكل مفارقة منطقية ثانية : مفارقة بوتفليقة، هل الرئيس المترشح حيّ ؟ إذا كان حيّا فكيف يكون غير موجود ؟ وإذا كان ميّتا فكيف يكون مترشّحا ؟؟ ..
ألم أقل لكم أنها كوميديا سوداء ؟.. ولكنها تبقى دائما في حدود الاحتمال ما لم تُصبغ بلون الدماء، كما في الشام وطرابلس الغرب واليمن السعيد، وما لم يرقص حذاء عسكريّ فوق أشلاء، ما عادت لها أسماء..
لقد استقرّ في وعي الشارع الجزائري أن انتماءه العربيّ هو سبب كاف لتكون المطالبة بدمقرطة الحياة السياسية ضربا من الجنون، والأمل، مجرّد الأمل في شفافية الانتخاب تعدّ على الأعراف والقانون..
درس الجزائر هو التالي: نعم، احكمونا كما تشاؤون، أقتلوا أحلامنا وكلوا من قوتنا مادمتم حاكمين.. استنفذوا كلّ بترولنا وغازنا كما قد فعلتم منذ سنين… ولكن فقط عاملونا كبشر لهم عقول، لا أغبياء أو مجانين.. فلن نقبل ميّتا يحكمنا بعد الآن.. نريد مستبدّا ولكن فقط دعونا نراه رأي العين !.. ألا تملكون بعض الحياء فتقدموا من بينكم من هو على قيد الحياة !!..
هذا هو الحلم العربي بلسان جزائري: لقد ماتت فينا كل الأحلام… ولكن لا تعاملونا كالانعام.. احترموا عقولنا، ولكم منّا كل الطاعة والتسليم !..
•••
المسألة الجزائرية هي مسألة من الخطورة بمكان.. ذلك أنه إذا لم تُفتح السدّادة في وقت السكون، فسيكون الانفجار بعد الخضّ الشديد عظيما، وستكون رقعة الارتداد واسعة المدى.. والعسكر هناك للأسف، مُنشغل بتقديم البراهين على ما يلي: الذي يحكم الشعوب هو الخوف الجاثم على صدورهم، ونحن قادرون على تجسيده في أيّ شكل، رئيس معافى، جنرال قديم.. وحتى الميّت نصنع من شبحه رىيسا وأيّ رئيس !!.
لست أدري هل يدخل هذا في باب العته أم باب العتوّ.. ولكن يستحضرني اليوم جواب الأمل لأحمد مطر وهو يسأله هل يمكن للحاكم العربيّ أن ينتابه يوما بعض الخجل ؟ :
– ابصق على وجهي إن هذا حصل !.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock