تدوينات تونسية

أيّتها المواطنات الفضليات، أيّها المواطنون الأفاضل

فتحي الشوك
أيّتها المواطنات الفضليات، أيّها المواطنون الأفاضل، هكذا ابتدأ الرّئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رسالته الرّائعة الموجّهة إلى الشعب الجزائري بمناسبة إعلان ترشّحه الرّسمي للعهدة الخامسة، ترشّح تمّ عن بعد في عصر التكنولوجيات الحديثة ورسالة قرئت عنه وأذيعت كما في ستّينيات القرن الماضي، هي شكليات لا تعني شيئا بما أنّ حضور صورته كانت تكفي في مختلف الاجتماعات والتّظاهرات.
كلام جميل صدر من الرّئيس بعد التململ الشعبي والمطالبات بإلغاء ترشّحه للعهدة الخامسة، وقد تعهّد أمام الله وأمام الشّعب بالاضطلاع بالمسؤولية التّاريخية المناطة بعهدته بل وتلبية المطلب الأساسي للشعّب وهو تغيير النّظام ويبشّر بإرساء نظام جديد للدّولة الوطنيّة وبتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة لن يكون مرشّحا فيها، إلى جانب إعداد دستور جديد يزكّى باستفتاء شعبي يكرّس ميلاد جمهورية جديدة، ثمّ يتعرّض إلى وضع آليات كفيلة بالقضاء على أوجه التهميش والإقصاء ومحاربة الفساد وبمزيد من الاهتمام بفئات الشّباب، كم كان جميلا هذا الخطاب، كم كان طوباويا، رائعا رائقا إلى حدّ تجعل اليوتيوبيا قابلة للتحقّق!
كلام جميل يفوق سقف تطلّعات الجماهير الّتي خرجت تطالب بمجرّد إلغاء العهدة الخامسة وبالكشف عن وضعية رئيس لم يُستمع إلى صوته منذ شهور.
رسالة رائعة تضمّنت كلّ ما يتطلّع إليه كلّ مواطن جزائري أو عربي وأفصحت عمّا يعلنه لتشمل ما يبطنه، ما أروع تلك المعاني وما أعظمها، رسالة في أجمل ما تكون بلّغت المقصود وتطمينات ترشح آمالا ووعود.
الرّئيس الّذي علم ما لم تعلنوه يبشّر بتغيير النّظام وإرساء جمهورية العدل الّتي يسود فيها الإنسان !
فكيف أيّتها المواطنات الفضليات والمواطنون الأفاضل لا تحسنون الظنّ وتشكّكون وقد لا تصدّقون؟
كيف لا تصدّقون، أنّ رئيسا بين الحياة والموت في حالة حرجة للغاية يقبع في إحدى غرف الإنعاش بالطّابق التاسع بأحد المستشفيات بجينيف، يقدر على أن يقول مثل هذا الكلام، أو يكتب مثل هذه الكلمات أو يقدّم مثل هذه الوعود ويتعهّد أمامكم وأمام الله بالتّنفيذ والانجاز؟
ألا ترون أن من يحكمنا في محيط الاستبداد العربي هم دوما أشبه بمخلوقات بقدرات خارقة ويبتعدون عمّن سواهم من البشر بمسافات؟ ألا يحقّ لهم أن تكون لهم بعض المعجزات؟
كلمات جميلة كبيرة تتحّول إلى كبائر كما يقول الأستاذ الأمين البوعزيزي لتحوّل أجمل المعاني إلى أبشع الجرائم.
فبين ثنايا النصّ المشحون بالمعاني الرّاقية تتخفّى كلمات متوحّشة سائبة، يقول من كتب الرّسالة في تبشيره بانتخابات مسبقة قادمة: “أتعهّد أنّني لن أكون مترشّحا فيها، من شأن هذه الانتخابات أن تضمن استخلافي في ظروف هادئة وفي جوّ من الحرّية والشّفافية”.
فأبشروا يا قوم يا من خرجتم لأجل إلغاء العهدة الخامسة، فهو يجيبكم بأنّه لن يترشّح للسّادسة.
كيف تريدونه أن يلبّي مطالبكم؟ أتريدون أن يقال عنّا في صحرائنا العربيّة البائسة أنّ جحافل من الغوغاء خرجت على سلطان فأجبرته على تغيير بيان؟
أيّ عار هذا سيصيب تاريخنا الأسود الملطّخ بالطّغيان والاستبداد، أيّ بدعة لعينة تقيمونها وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النّار!
كلّ المسألة تتلخّص في معضلة الاستخلاف وكيف تمرّر عصا الطّغيان ولمن تسلّم مفاتيح المخزن وطلسم فتح مغارة علي بابا.
العصابة محتارة ومشوّشة التفكير ولم تجد صيغة مناسبة لاستنساخ صورة لبوتفليقة، هي تطلب مهلة، ربحا للوقت، حتّى تتنظّّم وتتشكّل وتعيد ترتيب أوراقها لعبور نقطة تعتبرها حرجة ولتجد لها مخرجا حتّى وإن أدخلت الجميع في نفق مظلم أو كان ذاك الرّبح للوقت ضياع لكلّ الوطن.
حفظ الله الجزائر بلد الأحرار والحرائر من كلّ كيد ماكر ومن كلّ مقامر ومغامر.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock