مقالات

غلق المدارس القرانية: ماذا قال بابا الكنيسة عن حفظ الإنجيل ؟؟؟

سليم الحكيمي
سنة 2017 وقف بابا الفاتيكان فرنسيس في ساحة القدّيس بطرس أمام 200 الف مسيحي. ألقى موعظة الاحد، وتساءل “ماذا يحدث إن عاملنا الانجيل كما عاملنا هواتفنا المحمولة، وحملناه بعد ان نسيناه ؟ فقراءة الانجيل تساعد الناس على مقاومة الاغراءات اليومية”. (صحيفة القدس العربي 15 مارس 2017 ).
تذكرت هذا وانا اطالع “الكارثة الوطنية” حسب اعلام حربي تبادلت فيه الادوار المسعورة قنوات في حملة تذكّر بما ورد في كتاب “الحيوان” للجاحظ “في أنّ الكلاب تتجاوب”. وبعد المساواة في الميراث، فخ جديد والطُعم هو القرآن، لكشف “اكذوبة” الخلط بين الدعوي والسياسي في الخطاب والدفع للتورط في الدفاع عن الارهاب بالذود عن “مدرسة الرقاب” او الوقوف مع “مدنية” الدولة بانحلالها الخلقي الذي صار يتفوق على الجاهلية الاولى، وسط ذعر عام من الاسر التونسية حول استفحال الجريمة الخلقية في تونس وليس “الظاهرة القرآنية”.
في الحقيقة، اخلالات المدرسة لا يفسّر كل هذه الحملة التي ناقش فيها “خبراء آخر زمان” كيف يقول تلميذ “بيت خَلاء” عوض “بيت راحة”!!
سبب الحملة، الهرسلة الدائمة للاسلامين ونقض ما سمح به حكم الثورة من حرية التنظم داخل المجتمع. وان كان الاسلاميون لا يعرفون الى اين هم سائرون، فالعلمانيون يعرفون من اين جاؤوا: من دور العبادة ومساجد الجامعة والمعاهد الثانوية في الثمانينات حيث اختمرت شرائح الرفض ضد الطغيان وسلخ الهوية. سمح النظام بذلك الهامش داخل المؤسسات التربوية لانه رأى فيها سببا لاستقرار اخلاقي وتربوي. ولذلك كل الذعر من تُهيّا الارضية مجددا لانها ستكون خميرة جيل اخر قادم واستباق لمن تُسول له نفسه فتح مساجد بالمؤسسات التربوية. فانتماء الاطفال الى مدارس قرآنية يعني بناء هوياتهم السياسية أو الأيديولوجية والمجال الثقافي الموافق لنمط حياتهم، وشعورهم بالانتماء يحول بين علمنة الذات التونسية في تونس وهو المشروع النهائي لنخبة اليعاقبة بعد فصل الدين عن الدّولة. وبالتالي لابد من نشر ثقافة تعصم من التديّن لانه واستراتيجيا يحلب في إناء المحافظة واحزاب اسلامية، وليس في العلمانية التي لها “رائحة البارود”. فكانت الحملة عودة الى تجفيف المنابع بعد ان اتاحت الثورة الفرصة للمصالحة مع الكتاتيب القرانية.
religion Building (بناء الدين) ” مشروع امريكي منذ سنة 2004 انفقت فيه المليارات على مؤتمرات التعايش بين الاديان، والسماح -فقط- بحفظ ايات القران المتعلقة بالمشترك بين المسلمين والمسيحيين وخاصة اليهود. ظاهر المشروع تجفيف منابع التطرف، وباطنه تجفيف منابع الاسلام. و مُنظّره عالم السياسة الأميركي (ليونارد بايندر) في كتابه (الليبرالية الإسلامية: نقد للأيديولوجيات التنموية) الصادر عام 1988… ليبيا بلد مليون حافظ قرآن، اسودها هم من طردوا دواعشها من “سرت” اصيلوا الفكر الوهابي السّعودي من السلفية المداخلة الذين لم ينقدهم الاعلام يوما، لانهم سلفيّة حفتر. وبلغ عدد مدارس ثانوية الخطباء في تركيا 1452 تتيح مناهجها الالتحاق بأي جامعة بمجرد حصوله على شهادتها الثانوية، تخرج منها اردوغان ليجعل من تركيا قوة اقليمية. واندونيسيا بها 2 مليون من حفظة القران ولا يوجد بها ارهاب فقط لان للدولة فيها مشروعا مدنيا وليس وثنيّا. و اليوم، وزير التعليم الاسرائيلي “نفتالي بينت” الذي يرأس حزب «البيت اليهودي» المتدين، يفرض على تلاميذ المدارس الابتدائية دراسة 80 كتاباً دينيا. العنف في مجتمعنا التونسي ليس بسبب التدين بل بسبب عدم وجوده بدليل قلة نسب الجريمة والطلاق والتفكك في الوسط المحافظ. زمن القحط،”جيل البرْكة” و اطفال الكتّاب بـ”امّك تانْقو يا نساء طلبت ربي عَشْتاء” يعودون بصَيّب من السّماء. والقرآن نص 50.000 كلمة وآلاف التراكيب اللغوية. سمح الاستعمار بتحفيظه، ومنع تفسيره فحسب ولكن وكلاءه يمنعون تحفيظه وطمس معالم ثقافة كانت سببا في استقرار أخلاقي واجتماعي.
اعترف ان الاستقصاء والتخطيط الاستراتيجي للتخلّف لا ينشط الا في مواجهة الحالة الاسلامية، بينما يفشل بالتنبؤ باحوال جوية على مدى يومين فقط. واقنعت يوما نخبة شيوعية بن علي بان مشروع التعريب لمحمد مزالي، هو سبب صعود التيار الاسلامي، فبدأ مشروع “العاميّة” و منح “بن علي” الرّاقصة سهام بلخوجة 40 مليار لتعميم الرقص في كامل البلاد زمن تجفيف منابع التدين.
مدنيّة الدولة لا تعني التساهل مع بؤر انحلال والبطولة ضد جمعيات قرانية، ولم تنشط وزارة الثقافة ضد عريان “جِلمة” في مسرحية. “فالتعدّي على الطفولة في تونس يوميّ، يكفي ان اذاعة جعلت طفلة تقرا حظك اليوم كل صباح يعني “مشروع تقّازة”. و(* انظر ما قالته الكاتبة “احلام حكيمي” في اذاعة تونس الثقافية) عن قصص اطفال تروج في الاسواق التونسية، فيها تطبيع مع زواج المحارم وتلذذ الجريمة وتقطيع الرؤوس.. تمثل في العمق منصة داعشية حقيقية لعبدة الشيطان الوجه القادم من التطرّف” دون رقابة من وزارة لها اطول عنوان في العالم: “وزارة المرأة والطفولة والمسنين والكهول والمطلقين والمخطوبين…” وحشية استبداد بن علي ضد كل الطيف الاسلامي، ظلت ثاوية في لاوعي ملايين التونسيين، أخّرت رد فعل الجمعيات القرانية وشرفاء التواصل الاجتماعي الذين انفجروا لاحقا بعد ان انجلى غبار المعركة وعاد التلاميذ الى اهلهم واغلقت مدارس “بُوه على خُوه”.
سنة 1961، أقدم «الموساد» على إغراق سفينة على متنها يهود مغاربة، من أجل دفع الحسن الثاني للسماح لليهود بالهجرة إلى إسرائيل. واحرق هتلر “الرايشتاغ” ليتخلص من خصومه، وقصفت امريكا بارجتها وقتلت فيها 37 من جنودها لتدخل حرب الخليج الاولى، وافتعل بن علي تفجيرات نزل المنستير سنة 1987، ودبّر عبد الناصر حادثة المنشية 1954 ليتخلص من الاخوان. يؤسفني مجادلة صحفيين اعتبروا ان كتاب النحو “متن الاجرومية” كتابا ارهابيا !! ولا حمزة البلومي صاحب برنامج “الاكاذيب الاربعة” ورائعته “اش نعملو بيهم الكْتب؟؟” لانه، قديما قال بطل الجزائر عبد الحميد بن باديس “لو قالت لي فرنسا قُل لا اله الا الله، ماقُلتها” “الرحمان علم القرآن خلق الانسان علّمه البيان”… والطغيان عَلَّم البُهتان.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock