تدوينات تونسيةمقالات

التصويتُ النافعُ

محمد كشكار
مواطن العالَم
بارادوكسالّومان، ارتفاعُ التصويتِ للسبسي في 2014، أكبرُ دليلٍ على عدم شرعيتة وعدم أحقيته في كرسي الرئاسة.
Le vote utile nous as donné un président illégitime et inutile
أتمنى -والتمني يفيدُ المستحيلَ- أن لا يتكررَ التصويتُ النافعُ في انتخابات 2019 لأن هذا النوع من التصويت هو أفسد أنواع التصويت.
أذكّر بأجواء الحملة الانتخابية الرئاسية في 2014، الدورة الثانية بين السبسي والمرزوقي:
1. بدأ الإعلام يُطلِقُ صفّارات الإنذار ويحذِّر الناخبين من احتمال حدوث خطرٍ وهميٍّ، شبّهه بالزازال:

  • القيامة ستقومُ غدًا.. نجاحُ المرزوقي قد يكون! (تصوّروا أصبح نجاحُ المرزوقي، الجنوبي الطيّب، يُعَدُّ بمثابةِ كارثةٍ طبيعيةٍ مُدَمِّرةٍ!).
  • لو لم تذهبوا إلى الصندوق سينجحُ المرزوقي فتندموا حيث لن ينفعكم الندم.
  • خطرُ وصول الظلامية للحكم خطرٌ واردٌ جدًّا.. وتَجنُّبِ الكارثةِ موكولٌ لأصواتِكم (المرزوقي ظلامي؟ الله لا تربّحكم!).
  • احذَروا وصولَ أعداءِ الديمقراطيةِ عن طريقِ الديمقراطيةِ مثلما وصل هتلر (تقارنون المرزوقي بهتلر؟ الله لا تنجّحكم!).
  • شركات سبر الآراء المأجورة مثل “سيڤما كونسايْ” لم تبخل علينا باستطلاعاتِها البهيةِ سليلةِ الأموالِ السخيةِ.
  • ترغيبُ اليسار الانتهازي في تلميذِ ووَريثِ جلادِه السابق (بورڤيبة) وتكريهه في الحقوقي حليفه في سنوات الجمر (المرزوقي): وقع الثعلبُ في الفخ أو أوهمنا أنه وقع في الفخ؟ عبقرية اليسار أنتجت حملة “قطع الطريق” على المرزوقي. يسارٌ انتهازيٌّ ذكيٌّ وليس غبيًّا كما قد يذهب في ظن الكثيرين: يسارٌ يعرف من أين تُؤكل الكتف لكنه بعد نجاح السبسي أكل كفًّا ولم يأكل كتفًا. يسارٌ سمسارْ طمّاعٌ في الدينارِ والدولارْ، وإلا كيف يساند جلاّدًا ويَخذِل حقوقيًّا؟ ومن شدة ذكائه الانتهازي أنه فَسَخَ بنفسه تاريخَه النضالي ضد البورڤيبية إن بقي له من هذا التاريخِ المجيدِ شيئًا يُذكَرُ فيُشكَرُ!

مَن رأى منكم يومًا الانتهازية اليسارية تمشي على ساقَيْها؟ أنا رأيتُها.. والله العظيمْ رأيتُها؟
رأيتُها مرة في حمام الشط بالذات.. شاهدتُها تمشي “مزروبةً”.. وشاهدتُها جالسةً غير “مزروبةٍ” تحتسي قهوة وممكن من نفس الفنجان الذي شربتُ منه بالذات.. رأيتُها ويا ليتني ما كنتُ رأيتُها.. رأيتُها بأمِّ عينيَّ وفي مقهى الشيحي.. مقهايَ.
أكثر واحد يجسّم الانتهازية اليسارية هو “مناضل الوطد” السابق محسن مرزوق، نفاه بورڤيبة في رجيم معتوڤ بڤبلي: المفروضُ إذن أن الضحية تنقم على جلادِها، والمفروضُ أيضًا أن الثورةَ تُحرِّرُ البشرَ من الاستِلابِ؟ أما مرزوق هذا.. فقد عشق جلادَه وأصبح “بورڤيبيست” مستلَبًا حتى النخاع، وزادته الثورة استلابًا على استلابٍ، الله يشفيه ويشفي كل اليساريين الانتهازيين وما أكثرهم في تونس.
2. النتائج الكارثية للتصويتِ النافعِ في 2014:
يبدو أنه كلما ارتفع عدد المصوّتين لصالح السبسي كلما برهنوا أنهم لم يصوّتوا على برنامج وإنما على شخص وهمي خَلَقَه الإعلامُ وهذا ما يفسّر عدم شرعية أي رئيس فاز بفضل “الفوت أوتيل” مثل “ماكْرُونْ” والسبسي.. “جانا المِي.. أُو.. جانا الضو والكيّاصْ”.. وجاءنا الدليلُ “بعدما وقعت الفأسْ في الرأسْ”: صاحبُ وَعْدِ الأربع حكومات لم يقدَرْ على تكوينِ حكومةٍ واحدةٍ متماسكةٍ ومستقرّةٍ. لم يكشِفْ عن قَتَلَةِ “بلعيد والبراهمي” كما وعدَ. لم يبنِ قاعةً سينمائيةً واحدةً من المائةِ التي وعدَ بها. لم يقدَرْ على كبحِ شطحاتِ ابنِه المدلَّلِ. رئيسٌ عاجزٌ ذهنيًّا رغم ومضات التجلي القليلة عدديًّا والمتباعدة زمنيًّا. كشفَتْه “كريستين لاڤارد” (FMI) ولم يكشفْه أحدٌ غيرها: قَصَبٌ فارغٌ في الداخل والخارج. بعثتْ له الشاهد فنفخَ عليه فذهبَ هباءً منثورَا وانفضّت من حوله النهضة، نتيجةً وليس سببًا. النهضةُ تستظِلُّ بِظِلِّ الشاهدِ الـ”لاڤارديست” وليس العكسُ، ووَاهِمٌ مَن يعتقدُ خلافَ ذلك، ومَن كانت الدوائرُ المالية العالمية والمحلية نصيرَه فلا غالِبَ له إلا الله.
يبدو لي أنه لو لم يحصدْ السبسي أصواتَ انتهازِيِّ اليسار والوسط في “الفوت أوتيل”، لَفازَ عليه المرزوقي فوزًا ساحقًا.
ملاحظة 1. رفعًا لكل لَبْسٍ محتمَلٍ: سبق لي وأن قلتُ: “لستُ نهضاويًّا ولن أكون ولا جبهاويًّا ولن أكون”، أضِيفُ: “لستُ مرزوقيًّا أيضًا ولن أكون”. وذلك لسببَين اثنَين: أولا، أنا جمني موش مرزوڤي (المرازيڤ هو اسم أعظم قبيلة في دوز جارتِنا الحبيبةِ التي تَبعدُ على جمنة دوز كيلوميتر). ثانيًا، لا أتعاطف مع المرزوقي السياسي ولا مع حزبه ولم أصوّت له في 2014 ولا للسبسي طبعًا، لكنني أحترمُ جدًّا جدًّا المرزوقي المثقف والمرزوقي الحقوقي ووددتُ لو أنه لم ينخرطْ في العمل السياسي المباشر.
ملاحظة 2. للأمانة الأدبية: مقالٌ مستوحَى من قراءاتي الشهرية في لوموند ديبلوماتيك، جريدتي الوحيدة وعشيرتي منذ أربعين عامٍ.
إمضاء مواطن العالَم
أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ (La spiritualité à l`échelle individuelle).
“النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ” محمد كشكار
“المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ” فوكو
“وإذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ” جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 13 فيفري 2019.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock