مقالات

الإرهاب : غول القرن الواحد والعشرين

شوقي الشايب
لعل تعريف مفهوم الإرهاب من كونه هو استخدام العنف والتخويف بصفة خاصة لتحقيق أغراض سياسية كما أن كلمة الإرهابي تشير بوجه عام إلى أي شخص يحاول أن يدعم آراءه بالإكراه أو التهديد أو الترويع
ولم تتعرض المعاجم القديمة لكلمة الإرهاب في اللغة العربية.
ويرجع البعض ذلك إلى أنها كلمة حديثة الاستعمال ولم تكن معروفة في القديم.
أما في المعاجم الحديثة، فنجد كلمة إرهاب مشتقة من الفعل المزيد أرهب أو مرهـب فهما يؤديان نفس المعنى وهو خوف وفزع، فيقال أرهب فلانا بمعنى خوفه وفزعه، أما الفعل المجرد منه فهو رهب يرهب رهبة ورهبا بمعنى خاف، فيقال رهب الشيء أي خافه أما الفعل المزيد منه بالتـاء وهو ترهب فمعناه انقطع للعبادة في صومعته ومنه يشتق راهب وراهبة ورهبانية، كـذلك يسـتعمل الفعل ترهب بمعنى توعد فيقال ترهب فلانا بمعنى توعده.
إذا فإن الارهاب هو إجتماع حالة مادية (عنف وسلاح) وحالة نفسية (تخويف وإزعاج) بغية تحصيل مكتسبات سياسية.
1. الإرهاب والسياسه
رغم أن الجميع تقريبا يحلل الإرهاب من كونه حالة فكريه عقاىديه، إلا أن الواقع الظاهر أنه فعل مادي مسلح يرتبط خاصة بتحصيل مكاسب فرديه اثثها مفهوم خاطئ لعقائد دينية أو اديولوجية، فعند انتهاء الحرب الأفغانية السوفياتية مثلا كان باب السياسة مفتوحا أمام من أراد تسلم السلطة حينها، فجاءت طالبان أفغانستان كوريث شرعي لأعمال المقاومة المسلحه المدافعه عن الأرض، وحتى تكوين نواة تنظيم القاعدة كان تجذبا سياسيا وعرقيا للمهاجرين العرب إلى افغانستان حينها ورغم أن الصراع كان باردا بين القطبين يظهر تحالفا مسموما إلا أن الحقيقة كانت نزاعا دينيا سياسيا خفي بين من ابتدعو في دين الله (طالبان من كونهم صوفيي المذهب أو مغالين بدون علم شرعي حقيقي) وبين (أولياء الله واصوليي العرب من جزيرة العرب وغيرها “تنظيم القاعدة”). ورغم أن الأرض كانت أفغانية، ورغم أن طالبان أغلقت باب الحاكمية الذي يستعمله الأصوليون للتمسك بالسلطة إلا أن الرغبة الشخصية والسياسية كانت أقوى من الاديولوجية والعقيدة.
2. الإرهاب وتحصيل الزعامة 
ولعل الحرب الأفغانية الأمريكية وتضارب مصالح طالبان والقاعدة يثير فينا تساؤل: هل أن التجاذاب حقيقة حول “دين الله” أم أنه صراع زعامة؟
ولعل مثال تنظيم القاعدة في العراق كان أوضح في تحليل هذه الظاهرة، فأبو مصعب الزرقاوي ذلك الشاب اليافع العتي، فقير محافظة الزرقاء والذي عرف “بالبلطجة”، قد أصبح في غفلة من الزمن أكبر زعماء القاعدة في العراق. ولعل أول خطوات الزعامة الزرقاوية كان في سجن الأردن حيث شارك الشيخ “أبو محمد المقدسي” السجن فيما عرف حينها بقضية (بيعة الإمام) سنة 1994. وقد نصب المقدسي “منظر السلفية الجهادية وأحد أكبر رموزها” الزرقاوي كأمير للأخوة في السجن لما ارتآه فيه من قوة وعزيمة رغم حداثة توبته وقلة علمه الشرعي وهو ما جعل الرجل محمودا عند التنظيم في أفغانستان، لكن المريب والعجيب أن أبو مصعب قد خالف شيخه المقدسي وحتى أميره بن لادن حينما ظهرت له شوكة في بلاد العراق. فكان التحصيل الشخصي والزعامة أهم له من التقيد الشرعي أو حتى العرفان الأخلاقي لمن كان لهم فضل عليه طول حياته (الجهادية).
3. الإرهاب والمادة 
ولعل مثال الزرقاوي يفضي إلى مبحث أصول الإرهابيين الاجتماعية من كون أغلب البحوث تشير إلى هشاشة وضع منتسبي هذا الفكر ماديا واجتماعيا إلا أن في الخندق الموازي نجد من أمراء التنظيمات الإرهابية من كان يحضى بسلطة (المادة والعلم) على غرار زعيم تنظيم القاعدة الشيخ أسامة بن لادن الذي كان شيخا في السعودية (الشيخ في الخليج تعني أصحاب الجلالة والنفوذ وأمراء المال والأعمال) وكان ذو تحصيل علمي مرموق، وحتى نائبه أيمن الظواهري كان من عائلة متعلمة ومرموقة في مصر إذ أنه دكتور خريج كلية الطب. كما نجد المصري محمد عطا (مفجر البرج الثاني في عملية 11 سبتمبر بمنهاتن أمريكا) والذي كان مهندسا مدنيا خريج الجامعة الألمانية وصاحب تحصيل علمي مرموق بل ومتميز.
لذلك لا يمكن تعميم الحالة الاجتماعية والاقتصادية على عموم المنتسبين إلى هذه الظاهرة وإنما الأرجح هو تحليلها حالة بحالة، رغم أن سلطة (الفاعل) تبدو أكثر اغراءا لمن وجد تحقيرا من مجتمعه ودولته، إذ أن الظروف القاسية وحالة العدمية يمكن أن تكون مغذيا فعليا لروح هؤلاء فاقدي الأمل وعاجزي اليدين ليصبح لهم فجأة مساحة فعل بقوة السلاح وسلطة النفوذ.
4. الإرهاب الديني والاديولوجي
ولعل الحديث عن الحالة الاجتماعية، النفسية للارهابيين تحيلنا بالضرورة لتعميم وصف الارهابي لجميع أولائك الذين ارهبوا العباد والبلاد حتى الشيوعيين منهم أو غيرهم من اللادينيين، فحروب افريقيا على غرار الحرب النيجيرية أو الموزنبيقيه، واريتريا وغيرها كانت حروبا لتحصيل مكاسب سياسية بحتة رغم هشاشة الأوضاع ومرارة المأساة لهؤلائك الذين لا يحصلون تقريبا دولارا يوميا بينما يستعملون سلاحا بآلاف الدولارات، فرغبة المال أحيانا أو المنصب والتشريف كفيلة بأن تكون نزعة عدمية إقصاىية، واغراءا لمن لا مبدأ له سوى المادة والنفعية الشخصية المصلحية.
5. الإرهاب وتجارة السلاح
ولعلنا حينما ننفي صفة العقائدية حول الظاهرة الإرهابية، ونجعل منها حالة عامة يمكن لها أن تمس الجميع تقريبا، وفي أي بلاد (غنية كانت أو فقيرة). وجب علينا أن نراعي مفهوم المصلحة الذي مثل ويمثل الدافع الاقوى في حروب القرن الواحد والعشرين. فحينما ندرس حالة الفوضى في مخيم عين الحلوة في لبنان والذي يعد المرتع الأول لإرهابيي الشرق الأوسط فإننا نرى أن تجارة السلاح هي المورد الأول تقريبا لجميع ومختلف التجمعات والتنظيمات هناك. فبيع السلاح لا يرتبط بعقيدة ولا بغاية سوى المال. فحسب صحيفة “the independent” سنة 2005 فإن تجار السلاح في مخيم عين الحلوة يغذون الصراعات العشاىرية والعقائدية والطاىفية في جنوب لبنان وسوريا والعراق، إذ أنهم أول المستفيدين ربحيا.
الخلاصة التي لا يمكن أن نتغافلها، أن “غول الإرهاب” الذي يؤرقنا اليوم عالميا ومحليا، هو ظاهرة كونية واسعة جداً وجب الالتفاف حولها ودراستها بجدية وتمعن، لنحافظ على سلمنا القومي والعالمي الإنساني. فنحن اليوم نحارب الجحيم، وأبواب هذا الجحيم خمسة عليهم خزنة غلاظ شداد. فلا نستهينن بمثل هذا الملف حتى نؤسس أرضية سليمة وصحية للتعايش والعيش.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock