تدوينات تونسية

كارط "مدنية الدولة"

عايدة بن كريّم
لمّا نتحدّث عن “دولة وطنية” مدنية وحديثة يعني أنّ المُجتمع يكون في القالب الذي ترسمه مؤسسات الدولة… وهذا القالب يأخذ شكله ولونه أساسا من السياسات التربوية والسياسات الثقافية التي تضبطها مؤسسات الدولة.
اتفق الجميع على أنّ التعليم الرسمي مُواصفاته: التعميم -جغرافيا ونوعيا- والتوحيد -شكلا ومضمونا-. وكلّ خروج على الشكل أو المضمون اللذان تُحددهما الجهات الرسمية هو مروق على “الدولة المدنية”. وكل شهادة لا تحمل تأشيرة الدولة غير مُعترف بها وكل صاحب معرفة حتى إن كان مُستواه العلمي يتجاوز المعايير التي وضعتها الدولة لا يدخل ضمن التصنيفات التي مقننتها الدولة…
طيّب هذا جميل… ما دمنا قبلنا بمقولة “الدولة الوطنية”. وعُلوية الدستور…
لكن أيضا في ظلّ وجود وزارة للثقافة موكول إليها رسم السياسات الثقافية حسب تصوّر يتماشى مع “وطنية” الدولة و”حداثتها” وبما يتوافق أيضا مع فُصول دستورها… ألا يُفترض أن يوجد حدّ أدنى من المعايير التي حين يقع تجاوزها تتدخّل “الدولة” وممثلوها ليقولوا “هذا خروج على النمط” وهذا لا يتوائم مع مدنية الدولة؟ هذا لا يتماشى مع سياساتنا الثقافية… هذا فيه خرق لقيم المُجتمع… هذا فيه عدم اعتراف بالدولة ودستورها وقانونها…
مدنية الدولة ووطنيتها ليست ورقة حمراء نخرجها أحيانا ونغض الطرف عنها أحيانا أخرى… مدنية الدولة هي “pakedge” يعني سلّة تهزّ الكلّ أو ترمي الكلّ.
البارح تفرجت على برنامج لُطفي العبدلي جايب 3 أولاد سواديزون رابورات “مهزلة” كلامهم وهيئتهم و”الفنّ” متاعهم فيه خرق واضح لمدنية الدولة ووطنيتها.
علاش نحاسبوا من يرتدي قميصا ونجرمه حين يقول أنا لست ابن الدولة وحين يختار أن يقرأ القرآن عوض الذهاب إلى المدرسة… ولا نلتفت لهؤلاء الأطفال والشباب حين يظهرون في وضعيات غريبة عن ثقافة المُجتمع ويقولون كلام غريب على لُغة الدولة ويروّجون إلى أنماط ثقافية فيها خروقات لسياسات الدولة التعليمية والثقافية.
ينشرون الجهل والكسل والتواكل وثقافة الربح السريع…
كيف نسمح أن يُصَنَّف هؤلاء “فنّانين” ويقع دعوتهم في برامج تلفزية ويأخذوا تراخيص ويتمتعوا بالدعم وهم “الخراب” و”الخواء”… في الذوق والقيم.
•••
علينا أن نُراجع مفاهيمنا وإن كانت السياقات تغيّرت فلتشمل الجميع… موش لمّا الأمر يتعلّق بالدين نخرّج كارط “مدنية الدولة” وفي الأمور الأخرى نصفّق ونقول “إبداع” وتغير إجتماعي وشباب طاير وخليه يقول آش يحبّ… ونُصنّف الأول “إرهاب” والثاني “فنّ”.
شكون بالضبط يحدّد المعايير أو المؤشرات التي نُصنّف بها الممارسات الخارجة على مدنية الدولة وتلك الداخلة في مدنية الدولة… هات نتفق على معنى الإرهاب بأبعاده الإجتماعية والثقافية… هات نتفق على معنى “ثقافة” ومعنى “تربية” ونتناقش في المضامين التي تُنتج معنى “الدولة” ومعنى “الوطن” ومعنى “الإستقلال”…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock