مقالات

صينيٍّ متحضِّرٍ وصينيٍّ غير متحضِّرٍ

محمد كشكار
رُبَّ عُذرٍ أقبَحُ من ذنبٍ: عندما تَصنِّفُ الدولةُ الصينية مواطنِيها إلى صينيٍّ متحضِّرٍ وصينيٍّ غير متحضِّرٍ. لوموند ديبلوماتيك،
ترجمة مواطن العالَم دون إضافة
ماذا فعلتْ الدولة الصينية برعاياها؟ (دولة تدّعي أنها شيوعية وفي نفس الوقت تُطبقُ رأسمالية الدولة بكل إجراءاتها اللائنسانية).
تراقبُهم رقميًّا بواسطة كاميرات منصوبة متصلة (caméras connectées) في كل الفضاءات العامة (مقاهي، حدائق، طرقات، محطات نقل، إلخ) وتسند لهم أعدادًا في حسابهم الاجتماعي وليس البنكي (Crédit social)، وحسب مجموعهم يُعاقَبُ المخطئُ ويُجازَى الأقلُّ خطأ.
إليكم العناصر الستة التي سأتناولها في هذا المقال:

  1. المعطيات الشخصية المجمّعة في “الحساب الاجتماعي” الخاص بكل مواطن (logiciel de surveillance des citoyens comme Google).
  2. السلوكات المصنَّفَة حضارية.
  3. السلوكات المصنَّفَة غير حضارية.
  4. ما هي نوعية الجزرة وما هي نوعية العصا؟
  5. النتائج الإيجابية للتجربة.
  6. العيوب الكبيرة للتجربة.

1. المعطيات الشخصية المجمّعة في “الحساب الاجتماعي” الخاص بكل مواطن: صورته البيورقمية للتعرف عليه عن بعد، الرقم المنجمي لسيارته، تنقلاته في تاكسي، مشترياته في المساحات الكبرى، فواتيره الطبية، مؤشرات تنبئ عن كرمه وسخائه، إلخ.
2. السلوكات المصنَّفَة حضارية: احترام إشارات المرور مهمة، تَردده على شراء حفّاظات رُضّع دليل على أن الشايـ(ـة) يحس بالمسؤولية، إصلاح مدخنة جاره “تطوّعًا”، تقليم أشجار في حديقة جاره “تطوّعًا”، مرافقة عجوز أو عجوزة إلى المستشفى أو إلى السوق، المساعدة على إخراج سيارة سقطت في حفرة على الطريق، مساعدة مراقب عدادات الماء، “تسليف بالة وبيوش” لجار، إلخ.
ولإثبات هذه السلوكات يجب توفير فيديو أو صورتان على الأقل لدى مَن يسند الأعداد (عمدة القرية أو رئيس شعبة في الحزب الشيوعي) ويتسلّم “المتطوّع المتحضِّر” شهادة رسمية بإمضاء المسؤول وطابعه. أكثر سكان القرى لا يملكون آلة تصوير “سمارتفون”.
3. السلوكات المصنَّفَة غير حضارية: استعمال النقل العمومي دون اقتطاع تذكرة سفر (resquilleur)، اختلاق حادث مرور خفيف داخل المدن بهدف ابتزاز سائق مرفّه ماليًّا، قضاء عشر ساعات في اليوم أمام الشاشة لممارسة الألعاب الرقمية بمقابل (jeux vidéo)، نشر غسيل ملابس داخلية على السور، أثاث قديمة أو بقايا بناء مرمية على رصيف المنزل، سائق لا يخفض السرعة عند ممر الراجلين، راجل يقطع الطريق خارج ممر الراجلين، ترك دجاجاتك تسرح في الشارع، عركة في الشارع، رمي الفضلات في النهر، تقديم عريضة شكوى دون احترام التراتبية الحزبية، شراء مجلات أو مشاهدة أفلام إباحية، زرعُ الخضراوات في الشارع، الكلام الزائد مع الجيران، التباهى بسيارتك الفاخرة في موكب عرس أو جنازة، إلخ.
4. ما هي نوعية الجزرة وما هي نوعية العصا؟: أ. الجزرة: أولوية الحصول على قرض استهلاك صغير، “بِيدونْ” زيت بمناسبة حلول العام الجديد، سلة ملآنة محّار، إلخ. ب. العصا: تُحرم من أولوية الحصول على قرض استهلاك صغير، تُحرم عامًا كاملاً من الركوب في الدرجة الأولى (première classe)،إلخ.
5. النتائج الإيجابية للتجربة: ارتفاع في منسوب السلوكات المصنَّفَة حضارية، مثلاً بين عشية وضحاها أصبحت كل السيارات تقف احترامًا للراجلين الذين يقطعون الطريق، إلخ.
6. العيوب الكبيرة للتجربة: أحد المسؤولين الذين يسندون الأعداد هو نفسه يرتشي، مواطن تأخر شهرًا واحدًا في دفع قسط من قرض فوجد نفسه في القائمة السوداء فسمع كل جيرانه، فضيحة قد تكون هي السبب في انفصاله عن زوجته في نفس الفترة، التشهير بالبوق بأسماء المخطئين يوم الجمعة مساءً، الدولة تحرم مريضة بالشلل الرباعي من منحة شهرية كانت تأخذها (386 أورو) لأن ابنها بلغ سن الرشد. فهل تعوضها بعض زيارات “المتطوعات” لها في منزلها لمكيجتها وتنظيف دارها والتصدق عليها بفطائر بالجبنة؟، إلخ.
محاولة تحقيق غاية نبيلة (تربية المواطنين على السلوك الحضاري) باستعمال وسائل غير نبيلة (التشهير بالمخطئين)، والغايةُ في هذه الحالة مهما كانت نبيلة لا تبرّرُ الوسيلةَ غير النبيلة، والمواطنون الصينيون لا يُقادَونَ إلى التحضّرِ بالسلاسِلِ!
خاتمة مواطن العالَم: ماذا ترك نظام المراقبة اللصيقة هذا، لِما رأيناه في المقالات السابقة حول تجسس “ڤوڤل” على مستعمليه؟ هذه التجربة الصينية (Crédit social) قد تتحوّل إلى كابوس يقضّ مضاجع المواطنين الصينيين عكس ما وعدهم به رئيس دولتهم؟
مواطنون صينيون متصلون (Citoyens connectés)، وبإيعازٍ من الدولة لا من ضمائرهم، “يتطوّعون” لخدمة الصالح العام طمعًا في إضافة نقاطٍ إلى حسابهم الاجتماعي (Crédit social) وليس من منطلق تضامني إنساني نبيل، فهم يُعتبرون في نظري “متطوعون” انتهازيون بامتياز، نوع قذر من أنواع التطوّع، وترذيلٌ للقِيم الإنسانية الراقية.
المصدر:
Le Monde diplomatique, janvier 2019, Extrait de larticle «Quand lÉtat organise la notation des citoyens. Bons et mauvais chinois», par René Raphael et Ling Xi, journalistes envoyés spéciaux, pp. 4 et 5
إمضاء مواطن العالَم
“النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ” محمد كشكار
“المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ” فوكو
“وإذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ” جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الجمعة 1 فيفري 2019.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock