تدوينات تونسية

المُجتمع العالق…

عايدة بن كريّم
لنفترض أنّ الحكومة رضخت لضغط النقابة ووافقت على جميع مطالب الأساتذة.
إيه ومن بعد؟
هل سترتفع القدرة الشرائية للمواطن؟
هل ستتغيّر منظومة التعليم؟ وتتحسن أوضاع المدارس والمعاهد؟
هل سيتحقق شعار مدرسة شعبية وتعليم ديمقراطي؟ وتستعيد المدرسة العمومية هيبتها؟
هل سيتوقّف نزيف الفساد داخل وزارة التربية؟
طبعا لا!!!
قد يعيش الأساتذة لحظة انتصار (وهذا حقّهم) وهو أيضا أمر إيجابي بمعايير الانتقال الديمقراطي، لكن المعركة كانت بالضبط بين من ومن؟ وهل الثمن الذي دفعه المُجتمع يُعادل هذه “النشوة”؟ وهل الإنتصار له وزن أمام الخسارة المادية والمعنوية التي تحمّلها أولاد الحفيانة؟ وهل ما سيتحقق يُسمّى انتصار أمام ثقة التلاميذ في المدرسة التي تناثرت بين المقاهي وكرامة الأستاذ التي مُرّغت في ساحة المدرسة وأمام مشهد الأقسام خاوية على عُروشها؟
•••
النظام السياسي يُهيمن عليه الليبراليون (بجميع أصنافهم) والنظام الإقتصادي يُهيمن عليه الرأسمال المُتوحّش والسوق يتحكّم فيها “الموازي” و”اللاّنظامي”… وميزانية الدولة أكثر من نصفها ماشي للجرايات والإمتيازات العينية والسيارات وبونوات البنزين والسفرات وحفلات الإستقبال… والفساد معشّش بين مفاصل مؤسسات “الدولة” والمال الفاسد غمر الأحزاب وأغرق المُجتمع المدني… والشارع انتشرت فيه الرذيلة وعمّته اللا-معنى.
العمل فقد قيمته الرمزية والمدرسة لم تعد تلعب دورها في البناء والتنشئة وأشكال العمل أصبحت هشّة (عقود بآجال محدودة وعقد كرامة مُشوّه وأغلب القطاع الخاص يشغّل من دون تغطية إجتماعية وأحيانا الأجر تحت السميغ و30 بالمائة عامل كردونة في شارل ديغول ويلقّط في رزقه بالدينار…).
داخل هذه السياقات وداخل هذا الواقع الاجتماعي المُتعفّن هل تُعتبر مطالب الأساتذة مشروعة؟ هل لنضالهم معنى؟ وهل لانتصاراتهم تبعات ملموسة على الواقع؟
لا شيء سيتغيّر سوى 150 د تنضاف لشهرية الأستاذ… ويُحقق النقيب انتصارا مُزدوجا سياسي ونقابي… يدعم بها موقعه داخل حرب التموقعات.
ممكن يُخرج الوزير النوفمبري مهزوم (+) وتأخذ البيروقراطية النقابية ضربة موجعة تُبعثر أوراقها وتُقلّص من حجمها لصالح جامعة التعليم الثانوي ولصالح التيار القومي على وجه الخصوص. (العركة داخل الاتحاد بين الوطد والتيار القومي).
•••
النضال الاجتماعي يكون مؤسس على رؤية شمولية للمشهد موش على زوايا محصورة في مُربعات صغيرة، والإحتجاج يكون بآفاق مفتوحة على خيارات مُتعدّدة.
للأسف النقابات أصبحت جزر في أرخبيل عائم وكلّ جزيرة تتحرّك حسب بوصلة النقيب.
المُجتمع بطبقاته الوسطى والسفلى وتلك التي في القاع ترزح تحت عبء خيارات النظام الليبرالي ودهسته ماكينة الدولة العالقة بين الفاسدين والمُفسدين.
الأساتذة جزء من المشهد وليسوا المشهد كُلّه فلماذا يعلق المُجتمع بين “الدولة” العالقة والنقابة غير-العاقلة؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock