تدوينات تونسية

أزمة المعنى..

هادي بن علي
في فترات الانهيار الحضاري الشامل لا شيء يمكن أن يكون في مكانه، نحن الآن نعايش حالة من الترقب المقيت والمجاملة التي سنعلم لاحقا أنها في غير لحظتها.
توقّف الدرس في المؤسسة الإعدادية والثانوية بما يحمله من انهيار المعنى يصل إلى النقطة المشبعة وهي التطبيع مع انقطاع الدرس بل إنه يوفر شعورا غريبا بلذة ما يحدث. سيكون عسيرا ما سيأتي لاحقا وسننتظر كالبلهاء إلى أن تستقر الفوضى كحالة من حالات النظام الممكنة.
صحيح، ليس الإطار الأستاذي في حالة إضراب، لكن هناك أمر آخر صحيح وهو انقطاع التلاميذ في نفس اللحظة وربما عادوا في نفس اللحظة أيضا وهذا يعني أن عقلا ما يقود القرار التلمذي. توظيف المنتج التكنلوجي الاتصالي ليس إلا أداة مساعدة لذاك العقل الذي تمكن من تدوير الشبكة التلمذية وذهب بعيدا في اشتغالها. هناك من التلاميذ من يذهب إلى المؤسسة التربوية. هل يؤمن له الدرس؟ لا حاجة لمزيد الإيضاح.
من باب الشعور بانسداد الأزمة نطالع طروحات للحل تصدر من القطاع المهني ذاته لكن لا أعتقد أنها ضمن استراتجيات المفاوض الذي لا يفاوض. ومن ذلك طرح إعادة صياغة سلم التأجير في القطاعين العام والوظيفة العمومية. يبدو طرحا منسجما لكنه لا يتجاوز كونه تعبيرا عن أزمة في تصور الحلول. مثل هذا الطرح الذي يقدم المساواة في الأسفل سيتصدى له مناضلو القطاع العام وتحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل أيضا. وهو كذلك طرح انفجاري لأنه سيخرج القطاع العام من الاحتجاج إلى المحافظة. أما المساواة في الأعلى فليس في ميزانية الدولة ما يضمن تحقيقها في المدى المنظور.
لا يبدو أن الأزمة تقنية مالية فقط. كل من يتابع الملفوظ التواصلي العام يدرك أنها سياسية وفي أقلها وطأة ارتداد للوضع السياسي. أما السياق القطاعي فيقترح هموما لاشك فيها لكن أساليب “النضال” تخذلها لتحوّلها إلى حضيض الحضيض وسيحاصر المعنى جنرال التعليم الثانوي ولو نجح في انتقال طبقي لمنظوريه وليس إلى مجرد تحسينات في الراتب المتعب والمرمم باستمرار.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock