تدوينات تونسية

في أنّ الأزمة هي أزمة "نمط" و"منوال" وليست أزمة أحزاب ورجال

عادل بن عبد الله
من يتصور أن أزمة الحكومة الحالية هي أزمة أشخاص أو برامج فهو في تقديري المتواضع لا يطرح الأزمة في مستواها الأعمق والأكثر تحديدا: إن الأزمة هي أزمة “نمط مجتمعي” بجميع إختياراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولذلك فإن أزمة الحقل السياسي ليست إلا تعبيرة من تعبيرات تلك الأزمة “المجتمعية”.
كما لا يمكن اعتبار الديمقراطية “المريضة” التي نعيشها بعد 14 جانفي 2011 إلا محاولة لإدارة تلك الأزمة لا بهدف الخروج منها، بل بهدف “التوافق” حولها عبر إعادة أكبر ما يمكن من توازن للنظام بعد تعديله بشبكات زبونية/جهوية جديدة، وبعد شرعنته بانتخابات أقل ما توصف به أنها “مشبوهة” (مشبوهة في المسار الذي أفضى إليها ومشبوهة في الجهة المشرفة عليها ومشبوهة في نتائجها). إننا إمام حقل سياسي مازالت تحكمه الشركات العابرة للقارات عبر تحالفها التاريخي مع وكلائها المحليين من أصحاب الرساميل المادية ومن أصحاب الرساميل الرمزية (سيطرة كلاب الحراسة الاقتصادية -إن صح التعبير- مع “كلاب الحراسة الايديولوجية” باعتبارهم جميعا “حراس النمط”، أي نمط مدن الفساد البرجوازي على حد عبارة ماوتسي تونغ).
وفي المستوى المنظور، قد يخفف من حدة هذه الأزمة وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية تشريك النهضة في “الحكم/الوكالة” (باعتبارها لا تختلف ماهويا عن مكونات المنظومة القديمة إلا في المستوى الهووي الثقافي دون الاختيارات الاقتصادية، وهي حقيقة يعيها جيدا رموز “العائلة التقدمية” ويحاولون تجاهلها لأن القبول بالنهضة وبترسانتها البشرية هو تضييق مؤكد لامتيازاتهم وتهديد لسلطاتهم ولحظوتهم عند نواة المنظومة القديمة واهبة النعم وحارسة القيم).
وبحكم عمق الأزمة المجتمعية في البلدان الطرفية التابعة، وبحكم اختياراتها التحديثية المأزومة، ستظل الأزمة ملازمة للحقل السياسي التونسي مادام من يهيمنون على رساميله المادية والرمزية يفكرون في الشأن العام ويحاولون إدارته خارج أي مراجعة جذرية لآليات توزيع السلطة والثروة من منظور “وطني” يتجاوز المصالح الجهوية والأوهام الايديولوجية الساعية إلى إعادة إنتاج بنبة التسلط التجمعية/اليسارية وإلى تأبيد منظوراتها وشرعنة مصالحها (حتى بعد توسبع قاعدتها الجهوية وتعديل نمط شرعيتها في حالة القبول “المشروط” بالإسلام النهصوي “المدجن” والتوافقي إما اضطرارا -بحكم الإبتزاز الممنهج عبر فزاعة الإرهاب والخوف على النمط المجتمعي- أو إختيارا -بحكم غياب مشروع حقيقي لدى النهضة يتجاوز التموقع ضمن منظومة الحكم والإعتراف بها من لدن العائلة الديمقراطية ومن يكفلها في الغرب-).

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock