مقالات

ماذا بعد الاعتراف الخطير ؟!

نصر الدين السويلمي
لم يكن المتابع النزيه للساحة في حاجة إلى اعتراف لسعد اليعقوبي، الذي أكد فيه الارتباط العضوي بين الجبهة الشعبية والاتحاد إلى جانب حزيبات أخرى ملحقة، فالقاصي والداني يعلم أن الاتحاد تحول منذ ما بعد الثورة وبالتحديد منذ إلتآم شمل اليسار تحت مضلة الجبهة الشعبية ودثروا جبهتهم بقوى الإفلاس القومجي، تحول إلى شخشيخة في يد الجبهة الشعبية، تصعّد به، تبتز، تصعق الساحة، تخرب الاقتصاد، تعلن الإضرابات وتلوي يد التجربة بحثا عن سبل غير شرعية تَنفذ منها إلى مؤسسات الحكم، وكل ما صعبت عليها مهمة الوصول إلى القصور السيادية كل ما دفعت الاتحاد إلى التصعيد الراديكالي المدمر، حتى أصبحت تحمّله ما لا يطيق من مهام تدميرية هي من اختصاص العسكر أو قوى أخرى مضاهية، هذا الهيجان والإسراف في استعمال الاتحاد جاء بعد أن مسحت الجبهة يدها من الجيش التونسي، في تلك اللحظة التي استقر فيها اليأس لدى هذا الكوكتال الايديولوجي المتخشب، وأيقنت الضباع الايديولوجية أن صفحة الجيش طويت بلا رجعة، في تلك اللحظة تقرر أن يتحول الاتحاد إلى جهاز إنقلابي وأن تتحول البطحاء إلى ثكنة ويتحول الطبوبي إلى المشير طنطاوي ويتحول لسعد اليعقوبي إلى عبد الفتاح السيسي.
بعد الإقتناع بأنهم في حظرة جيش محترف لا يستجيب إلى الغزل الحرام ولا إلى إشارات الخيانة وأنه من فصيلة الجيش الذي لا يأتي أشباه الذكران ولا أشباه الإناث، منذ ذلك الحين قرروا تحويل منبر حشاد من سلاح يستفيدون منه بطرق تقليدية إلى سلاح غير تقليدي بما تعنيه الكلمة من إشعاعات سامة وبكتيريا وتدمير عنقودي واسع ورهيب. إلى جانب ذلك حاولت الجبهة مع المؤسسة الأمنية واعتقدت أن نقابات الأمن قادرة مع الوقت وبدعم من الإعلام على إخضاع المؤسسة برمتها ومن ثم التفكير في أساليب تنفيذ الجريمة وفق ما يقتضيه سير أشغال المؤامرة، لكن خاب الرهان وانتهت العناصر النقابية المكلفة إلى عزلة مخزية، وأصبحت منبوذة يشار إليها بأصابع التسفيه.
من خلال إعلانه عن تبعية الإتحاد للجبهة وبعض الحُزيبات الأخرى، أكد اليعقوبي أن عملية التدمير الممنهج لمستقبل أبناء تونس والسحق الغير مسبوق للمشهد التربوي، إنما هدفه إرهاب البلاد وتدشين الإنهيار التام بطرق خبيثة، لقد تقرر أن يعتمد خصوم التجربة التونسية على العصيان الجزئي تمهيدا للعصيان المدني الشامل، واختاروا العصيان التربوي أو التعليمي، كتجربة وكجس نبض للدولة والشارع، حتى أذعن الشعب واستسلمت الدولة، واستقام الأمر للعصابة تحول العصيان القطاعي إلى عصيان شامل وعمت الفوضى، هناك تكون العصابة على موعد مع أحد الإنتصارين، إما وصولهم إلى السلطة عبر بوابة الخراب الشامل، أو نجاحهم في مصرنة أو سورنة تونس، وبما أنهم يستمتعون إلى حد العذوبة بالدمار، فلا يهم إن كان هذا أو ذاك ما دام الهدف الأكبر هو عاليها سافلها.
ولكي نقف على حقيقة لذتهم ومتعتهم، علينا بمراجعة الكثير من تصريحات المكتب التنفيذي للجبهة الشعبية في بطحاء محمد علي، وما صدر عن قياداته قبيل الإضراب العام وبعده بقليل، بعضهم قال “نجح الإضراب بحرا وبرا وجوا” وبعضهم أشاد بالتعطيل الشامل لمشاغل الناس، والبعض الآخر سفه جميع التقارير وأكد أن الإضراب نجح بنسبة 90% وأعلنوا أن الحكومة فشلت في مساعدة المنكوبين من جراء الإضراب!!! لنستحضر أنهم لا يتحدثون عن تعطيل مصالح الحكومة ولا الشاهد، لأن أبناء هذا وغيره يدرسون في الخارج، والشاهد وغيره لا يتنقلون في وسائل الشعب ولا يذهبون إلى الإدارات ولا يصطفون أمام المستشفيات العمومية، ولا يسافرون عبر المطارات والمواني بحثا عن لقمة العيش، لنستحضر أن النائم على بلاط المطار والملقى أمام المستشفى والواقف في محطة النقل والقادم من مناطق نائية لاستخراج وثائق، فاضطر إلى قضاء ليلته في الشارع أو في وكالة.. إن جميع هؤلاء بعض الشعب وليسوا بعض الحكومة. يدرك الجناح النقابي للجبهة أنهم لم يفرحوا بتعطيل مشاغل أولاد الحكومة، بل فرحوا بتعطيل مشاغل أولاد الشعب.
منذ مطلع الثورة تحول الإتحاد تدريجيا إلى جناح ميليشياوي للجبهة الشعبية، أما الآن فلم يزد اليعقوبي على الإعلان الرسمي عن ذلك.. هنا سنجد أنفسنا أمام مشكلة بل معضلة! إذا كان إعلان اليعقوبي سيساهم في رفع معنويات أنصار الجبهة وبعض حواشيها، بما أن الإتحاد أصبح ملكهم تصريحا وليس تلميحا، ماذا عن البقية!!! ماذا عن غير المنتمين ! ماذا عن أنصار الأحزاب الأخرى، ماذا عنهم وهم يركضون هنا وهناك لتنفيذ أوامر الذراع النقّاب للجبهة الشعبية!!!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock