مقالات

المُترشّح: أنا عندي باك + 5 والشهرية إلّي طالبها 1200 د

عايدة بن كريّم
بحكم مهنتي كثيرا ما نلقى نفسي في وضعية متاع بلوكاج تواصلي خاصة مع الشباب المُتخرّج من الجامعات من جيل “إمد”…
تتلخّص المشكلة في المعايير التي يُقيّم بها خرّيجو الجامعات وأصحاب الشهادات العُليا “ذواتهم”، دون أن يأخذوا بعين الإعتبار الإكراهات التي تفرضها العولمة والأسواق التنافسية حيث سعر العمل تُحدّده الجدوى والمردودية وليس الشهادة ولا السيرة الذاتية التي يطغى فيها الذاتي (عندي وعندي) على الموضوعي (عملت واشتغلت وحققت).
في آخر مُقابلة كانت لي مع أحد الشباب تأكّد لي أنّ الأزمة عميقة ويلزمها حلّ جذري…
أنا: تفضّل قدّم نفسك.
المُترشّح: هاوكا ملفّي قدّامك… أنا عندي باك + 5 والشهرية إلّي طالبها 1200د.
أنا: باك + 5؟ هاو ملفّك قدّامي كما قلت: أنت نجحت في الباكالوريا دورة 2009 بفضل الـ25% متاع الراشا. وقريت 3 سنوات في كلية يقصدوها كان جماعة التوجيه الثالث مرّة. وهاك ناجح بـ 10 الحاكم واعدادك المفروض ما تحطّهمش في الملف، وعامل ماجستار في… (بفضل انزلاقات وزراء ما بعد الثورة إلّي فتحوا التسجيل في الماجستار دون أي معايير علمية معقولة) وشبيك دخلت طول تحكي على الشهرية… انا حبيتك تحكي لي على تجربتك على طموحك على التحديات إلّي طارحهم على روحك.
المُترشّح: شبيك تحكي هكّة مادام؟ في القانون التونسي أنا مستواي باك +5 وهذاكا هو. وأنا الشهرية التي اقترحوها عليّ شوية حتى شهرية أستاذ ما تجيش. (شهرية الأستاذ مرجع).
•••
بعد ما تقنع نفسك وربما تقنع الآخرين بأنه من حقه يأخذ فرصته ويجرّب وتتوصّل معه إلى حلّ وسط وتحاول تستوعب طموحه وأحيانا “l’arrogance” متاعه.
من بعد تلقاه فاهم آليات التشغيل التي تقترحها وزارة التشغيل بالغالط ولا يُفرّق بين عقد تربّص وعقد الكرامة ولا بين قانون الشغل والإتفاقيات القطاعية… وفي كل مرّة يطلع بحكاية ما تفهمش منين جابها. ويتعامل مع مؤسسة من القطاع الخاص بعقلية القطاع العمومي وماشي في باله أنّ الأعراف يخافوا من الإتحاد وفي أول مناسبة يمشي يشكي لتفقدية الشغل… وحينها يكتشف أنّ تفقدية الشغل صحيح مجعولة للدفاع على حقوق الشغّالين وحمايتهم لكن في الحقيقة الكثير من القوانين التي يعود تاريخ تشريعها إلى تأسيس الجمهورية الأولى ومُمضي عليها بورقيبة (إيع نعم من وقت بورقيبة ما تغيرتش) تخدم مصلحة الأقوى…. والأقوى دائما هو صاحب المؤسسة.
•••
هذا الشاب أنموذج لمئات الشباب الذين لا يُحسنون تقييم ذواتهم ولديهم تضخّم في الشخصية وهم جزء من سبب الإنهيار الحاصل في الدينار… إلى جانب التضخّم في الأسعار.
ينجح في الباك بالراشا ويعمل ثلاث سنوات في الجامعة يعدّيهم راكش في الـ buvette متاع الكلية يشاطي مع صاحبته إلّي مشات تقرا في كلية الطبّ… وينجح بالتفسكيا وعمره ما حلّ كتاب ولا عمل ستاج ولا كتب فقرة صحيحة لا بالفرنسية ولا بالعربية.. ولا عمل بحث وكلّه يخلف على غوغل وcopier-coller…ومن بعد يعدّى ثلاث سنين أخرين راكش تحت ضبّوط أمه من الجهة إلّي تحطّ فيها السطوش. وقيّد على سعدي بولدي يعمل في ماجستار ويحضّر في “الكتاب” ويسهر لعقاب الليل يقرا… ويعدّي عامين أخرين راكش تحت كونتوار القهواجي متاع الحومة يستنى في خدمة ويبوانتي في أقرب مكتب تشغيل… وأوّل ما تجيه فرصة يبدأ يتشرّط ويمدّ في ساقيه…
تحدّثوا طول يقلّك قدّاش شهريتي؟ تقول له عندك الحق في عقد تربّص 1 وعقد تربص 2 يقول لك “لا نحب عقد كرامة طول علاش تطويل الثنية.. واعطيني الـ400 د فوق الشهرية هاذوكم عطاهم الحاكم لأصحاب الشهادات. وراهو حقّي علاش تكبّروا في كروشكم؟”. تقول له “لا عقد الكرامة يجي بعد عقود التربص الأخرى والـ400 عاطيهم الحاكم للمؤسسة باش تخدّم “الناس” إلّي كيفك”… يجاوبك بالعشرة وافي…
•••
أنا لا ألوم هؤلاء الشباب (بالعكس وضعيتهم تُثير الشفقة) فهم ضحية منظومة تعليمية فاشلة وتعليم عالي دخل فيه القعباجي مع منظومة “إمد” وأنتج فاشلين (معرفيا واجتماعيا) لا يستوعبهم سوق الشغل بالمعايير الكونية الجديدة… وأصبحوا يُمثلون عبئا على الدولة ولا يُمكن أن يُحقّقوا أي قيمة مضافة ولا أن يُبدعوا أشكال إنتاج جديدة ولا أن يبتكروا مناويل عمل تتوائم مع إمكانياتهم.
سلوكهم نتيجة مُباشرة لما نُعاينه من لا-معيارية في التعيينات في أعلى مؤسسات الدولة وفي انتشار ثقافة المُحاباة واللاّ-كفاءة والتضخّم في تقييم الذات…
هم منتوج تونسي أفرزته التحوّلات التي شهدها المُجتمع خلال العشريتين الأخيرتين… تحولات للأسف لم يُصاحبها تأهيل لمنظومة صناعة المعرفة ولا لمنظومة صناعة “البشر”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock