تدوينات تونسية

بماذا أجيب فرح ؟

صالح التيزاوي
أشرف الدّرس على الإنتهاء، وفيما كنت منهمكا بالكتابة على السّبورة، تناهى إلى سمعي صوت ينادينى “monsieur”، فإذا هي فرح، خلتها تستفسر عن كلمة لم تفهمها لأنّ خطّي أضحى مرتعشا من شدّة البرد المتسرٍب من نوافذ بلّورها مكسور، نحاول سدّها من حين لآخر ببقايا طاولات مهشّمة.
ولكنّها فاجأتني بسؤال لم يخطر على بالي: “monsieur لماذا ندرس، ما دمنا لا نجري الإختبارات؟”
تجمّدت في مكاني، واستنجدت بابتسامة لعلّها تسعفني ببعض الثّواني، أرتّب فيها أفكاري بحثا عن جواب يبدّد حيرتها وحيرة زملائها وقد تأكّدت من نظراتهم التي تحاصرني أنّهم يطرحون ذات السّؤال.
بماذا أجيب فرح؟ هل أخبرها بأنّ لنا مطالب عادلة، ترفض الوزارة التّفاعل معها؟ هل أبيعها وهما وأقول لها بأنّ المشكلة في طريقها إلى الحلّ؟ ومتى كان المربّي بيّاعا للوهم؟ فتلك مهمّة لا يقدر عليها إلّا محترفو الدّجل السّياسي وسياسة الدّجل. هل أخبرها أنّ “كريستين لقارد”، مازالت وصيّة علينا في أوطاننا حتّى بعد ثورة الحرّيّة والكرامة؟ أسئلة كثيرة ازدحمت برأسي لو أفرجت عنها لأحرقتهم وأحرقتني، ومن
يدري لعلّني أواجه تهمة “التّعبئة الأيديولوجيّة”.
أدرك أنّ فرح وأمثالها لا تعنيهم معركة الأساتذة مع الحكومة ولا تعنيهم “معركة” الحكومة مع صندوق النّقد الدّولي. ولست أدري هل تعارك لنا أو علينا؟ شيء واحد يعنيهم: أن يشعروا بأنّهم يدرسون في مدرسة طبيعيّة، يجرون امتحاناتهم بصفة طبيعية. أنقذني جرس الحصّة من حرج اللّحظة ومن صعوبة الموقف ولو إلى حين. ولكن الحيرة التي تبدت في عينيها الصّغيرتين مازالت تلاحقني، أحاول التّخلّص منها فلا أستطيع…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock