تدوينات تونسية

حشّاد ومعارك السّيادة الحقيقيّة

صالح التيزاوي
“أحبّك ياشعب”… بهذا نطق حشّاد العظيم، لأنّه كان يرى شعبه جديرا بحياة حرّة، فدفع حياته ثمنا لحرّيّة شعبه، وانعتاقه من احتلال غاشم جثم على الأرض وعلى الصّدور زهاء القرن. عاش محبّا لشعبه، سيفه على المحتلّ ولم يكن على شعبه. لأنّه أيقن أنّ الإحتلال ونهب الثّورات أعلى درجات العنف والإرهاب، فخاض مع شعبه معارك السّيادة الحقيقيّة: معركة الوعي ومعركة الحرّيّة والتّحرٍر من الإحتلال.
حشّاد الإنسان:
أحبّ شعبه، فترفّع عن الجهويّات وترفّع عن الولاءات الضّيّقة وعن الأيديولوجيا. فما كان حشّاد “لينينيّا” ولا “ستالينيّا” استئصاليّا، وما كانت “جامعته” إقصائيّة. فكيف لبقايا الشّيوعيّة اليوم من “الوطد” أن يحتكروا تراث حشّاد وقلعته؟ حشّاد كان يجمع ولا يفرّق، جرت في عروقه دماء الرّجولة فحرّض شعبه على الحرّيّة ولم يقايض عليها كما قايض عليها الرّفاق زمن الحقبة النّوفمبريّة تحت إمرة “جرادهم” عندما منحوا نظام الإستبداد هدنة امتدّت لأكثر من ربع قرن. ولم يقبلوا بهدنة لمدّة ستّة أشهر، طالب بها أوّل رئيس منتخب، الدّكتور المنصف المرزوقي، واعتبروها مصطلحا عسكريّا.
حشّاد النّقابي والسّياسي والمثقّف. نعم، جمع بين البعيدين النّقابي والسّياسي لأنّ طبيعة المرحلة كانت تقتضي ذلك. وكان مثالا للمثقّف العضوي، حيث انخرط في صفوف العمال وفي صفوف الجماهير ليخوض معهم معارك السّيادة الحقيقيّة، سيادة الشّعب التّونسي على ثرواته؛ ما فوق الأرض وما تحت الأرض، والتي تواصل نهبها حتّى بعد قيام الدّولة القطريّة. فلماذا بلع أولائك الذين يتمسّحون بحشاد ألسنتهم ولم ينخرطوا في معارك السّيادة الحقيقيّة “وينو البترول”؟ ولماذا لم ينخرطوا في حملة إماطة اللّثام عن الثّروات المنهوبة والمطالبة بتأميمها؟ أليست معركة سياديّة حقيقيّة تستدعي الإضراب العام أو حتّى مجرّد التّلويح به؟ ولماذا لم يطالبوا فرنسا بكشف ملابسات اغتيال الزّعيم حشّاد؟ أم أنّ جرأتهم فقط على شركاء الوطن؟
إنّ أقلّ الوفاء لحشّاد أن تبقى منظّمته قلعة لكلّ التّونسيين دون تفرقة بينهم، والسّير على نهج حشّاد في تثبيت الحرّيّة وليس في محاربتها بالوكالة عن استعمار الأمس الذي قاومه حشّاد وعن الثّورة المضادّة التي تقودها أنظمة لطالما نعتها الرّفاق بالرّجعيّة. إنّ أقلّ الوفاء لحشّاد، النّأي بالمنظّمة الشغيلة عن الإصطفاف خلف يسار فوضويّ وعدميّ وإقصائي، يمارس الدّجل السّياسي. وليس أدلّ على ذلك من تلك الشّعارات الفاشيّة البائسة التي يرفعها منتسبوه “الإتّحاد أقوى قوّة في البلاد” يستقوون بمنظّمة حشّاد على من خالفهم الرّأي… ويتّخذون منها منصّة لتشويه خصومهم وبثّ خطاب يقطر كراهية…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock