تدوينات تونسية

عقول مبرمجة على جانفي 1978

عايدة بن كريّم
بما أنّ أغلب “المناضلين” النقابيين والسياسيين والقادة “الوطنيين” تشكّل وعيهم وتأسست ممارساتهم داخل سياقات دكتاتورية القرن الماضي فهم لم يتأقلموا (ولن يتأقلموا) مع السياقات الجديدة (الديمقراطية ومجتمع التقانة والمعلومة العابرة للقارات)… ناس تكلّس تفكيرهم وتعمّق إعتقادهم في مقاربات تحكمها ثنائيات: أنا/هو ومعي/ضدّي وتقدمي/رجعي وخوانجي/يسارجي وصحيح/غالط… مُستحيل يغيّروا برمجة مخاخهم على التعدّد ولا أن يُعدّلوا موقفهم من إدارة الإختلاف عبر آليات الديمقراطية. ولا أن يقبلوا أن يُشاركهم الآخر المُغاير الوطن…
بقوا حابسين في ساحة كلية الحقوق أمام حجرة سقراط… وعيهم تشكّل على وقع مجزرة منوبة 1982 وخطابهم بقيت بنيته: ربع ساعة الأولى يسبّوا الدساترة والنظام وثلاثة أرباع الساعة المتبقية يسبوا بعضهم. وفي الدقيقة 60 يدوروها ضرب بونية وماشطة.
يا جماعة السياقات تبدلت وحدث زلزال كبير في البلاد والحراك طلّع ناس وهبّط ناس… والنظام سقط والتغيير الذي حدث داخل المُجتمع أفقيا وعموديا المفروض يُصاحبه تغييرا في الوعي والممارسة داخل “النخبة” وفي أشكال إدارة الشأن العام…
مُجرّد المُقارنة بين خميس جانفي 1978 وخميس جانفي 2019… يؤشّر على عدم وعينا بحدّة الزلزال… ومُجرّد اعتقادنا في أنّ الإضراب ممكن ينجح بنسبة 100 في المائة دليل على أنّ لوثة ديمقراطية بن علي متاع 99 فاصل 99 لم نشفى منها. ومجرّد تصورنا أنّ السياقات المحلية والكونية تسمح بأن تنعاد ثورة دليل على عدم وعينا بالديناميكيات التي تُحرّك الخارطة الجيو-سياسية.
مُجرّد مُضاددتنا للإضراب بتعلّة أنّ اليسار يحبّ ينقلب على الإئتلاف الحاكم مؤشّر خطير يدلّ على أنّنا لم نشفى من فوبيا “الإنقلاب” ولم نتجاوز باراديغم “المؤامرة”… ولازلنا نُراوح مربعات المظلومية ولم نكسر حاجز الخوف الذي حوّلنا إلى أضداد لذواتنا.
ليس أمامنا إلاّ خيار “التعايش” وترسيخ مبدأ “العيش المشترك” والتشارك في إدارة الشأن العام هو الذي يجب أن يشتغل عليه الجميع.
العيش المشترك ليس “التوافق” ولا المحاصصة ولا التفاوض بملفات مخبينها تحت الطاولة…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock