مقالات

الإضراب العام يهدد الوحدة الوطنية أم يكرسها ؟!

الأمين البوعزيزي
جدل واسع في صفوف التونسيين سياسيين ونقابيين، تبرّم عام في صفوف التونسيين تختلف أسبابه بين مُحمّل المسؤولية للحكومة ومُحمّل إياها لاتحاد نقابات العمال في تونس. حيوية سياسية في مناخات غير معهودة من الليبرالية السياسية غير المتنكرة لطوفان حق التنظم والتعبير والتظاهر والإضراب الذي فرضته ملحمة “سبعطاش ديسمبر/ كانون الأول”، التي أطاحت بالاستبداد ونزعت عنه هالة التقديس. وحريات مرفوقة بليبرالية اقتصادية تستفيد بدورها من مناخ الحريات حد تحويل حياة التونسيين إلى جحيم.
كيف لا وقد أصبحت أساسيات عيشهم اليومي تحت رحمة أصحاب المال، و”نقابيين” جدد شرسين جدًا في الدفاع عن مصالح منظوريهم بعدما كانوا شرسين جدًا من مواقع معاداة النقابيين زمن دفع الثمن! في هكذا مناخات تشهد تونس اليوم 17 جانفي/ كانون الثاني إضرابًا عامًا في صفوف عمال القطاع العام والوظيفة العمومية.
قرابة السبع مئة ألف عامل يضربون دفاعًا عن حقهم في استقرار شروط عيش عصفت بها الليبرالية الاقتصادية المتوحشة التي جرّدت الدولة من كل سلطان اقتصادي، يمكّنها من الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية تجاه ضحايا السوق المتعاظمة أعدادهم بعد انهيار الطبقة الوسطى (المضربون اليوم) ومغادرتها مربعات الأمان الاجتماعي، الذي كان يوفره خيار رأسمالية الدولة، والذي تم تفكيكه تدريجيًا بداية من تسعينيات القرن الماضي لصالح رأسمالية العائلات المتصاهرة مع منظومة 7 نوفمبر/ تشرين الثاني التي أطاحت الثورة بقبضتها السياسية المرعبة، لكنها عجزت عن تفكيك سطوتها الاقتصادية التي ازدادت توحشًا مستفيدة بدورها من ارتخاء قبضة التعليمات.
في هكذا مناخات تضطر نقابات الطبقة الوسطى المنهارة إلى اللجوء مرة أخرى إلى الإضراب العام دفاعًا عن مكاسب يرونها تنهار أمام أعينهم بلا رحمة.
إضراب عام بقدر ما كان الذهاب إليه يسيرًا بفضل مناخ الحريات السياسية المفروضة واقعًا والمدسترة تشريعًا، بقدر ما قُوبل بحملة شيطنة وتشويه في مشهد إعلامي يكاد يكون بالكامل في قبضة أصحاب المال الذين استفادوا من مناخ الحريات السياسية ووضعوا أيديهم مطلقًا على منابر الإعلام دفاعًا عن مصالحهم وشيطنة لضحايا خياراتهم الاقتصادية، وحولوا البرلمان إلى منصة تشريعات تفرض توحش السوق واقعًا.
لم يكفهم ذلك كله، فعمدوا إلى تنشيط ذاكرة التونسيين بالتخويف من الإضراب العام الذي نفذه اتحاد نقابات العمال في جانفي/ كانون الثاني 1978 الذي تم وصمه بالخميس الأسود. ولم يكفّ خبراء الحكومة عن وصمه بـ”تهديد الوحدة الوطنية”، عبارة مستلّة من نفس القاموس البورقيبي والنوفمبري الذي تفنّن في التخوين والطعن في ذمة المعارضين لسياسات الاستبداد بالسلطة والثروة.
ائتلاف حاكم لا يملك إلا مطالبة معارضيه الاجتماعيين بـ”الصبر وتقاسم التضحيات في ظرف صعب تمرّ به البلاد منذ ثمان سنوات للخروج من قبضة الاستبداد إلى رحاب الديمقراطية. ورئيس حكومة لم يكفّ عن رفع شعار “مقاومة الفساد” دشنه بغارة على بعض رموزه الوافدين الجدد زمن النوفمبرية دونًا عن أباطرته الذين يمسكون بمفاصل اقتصاد البلاد منذ ما يعرف بقانون عام 1972، الذي تم بموجبه إيكال التنمية إلى القطاع الخاص وربط البلاد بالسوق الرأسمالية الغربية.

  • يحاجج المضربون اليوم حكومة يوسف الشاهد الليبرالية كون تقاسم التضحيات يتطلب سياسات جبائية عادلة تلجم المتهربين من دفع الضرائب وعدم الاقتصار على اعتصار من لا يملكون إلا معاشاتهم بلا رحمة.
  • يحاجج المضربون اليوم حكومة يوسف الشاهد الليبرالية كون الوحدة الوطنية بوابتها الرئيسة الضرب بيد من حديد على أيدي المهربين الذين دمروا قدرة المنتوج المحلي على الصمود وبالتالي تشغيل جيوش المعطلين عن العمل الذين دفعت بهم الجامعات إلى سوق شغل أغتيلت فيه كل شروط البقاء واستيعاب من يطرقون أبوابه.
  • يحاجج المضربون اليوم نواب الائتلاف الحاكم كونهم حولوا البرلمان من مهمة تشريع قوانين تلبي انتظارات ناخبيهم المكتوين بنار السوق المتوحش، إلى التخصص في تشريع قوانين تخدم ممولي حملاتهم الانتخابية السابقة والقادمة.
  • يحاجج المضربون اليوم حكومة يوسف الشاهد الليبرالية كونه يطرق الباب الخاطئ في صون الوحدة الوطنية. فالوحدة الوطنية بوابتها ردع المتهربين عن دفع الضرائب وليست بوابتها تهرئة جيوب من أرهقتهم الضرائب.
  • يحاجج المضربون اليوم حكومة يوسف الشاهد الليبرالية أن صون الوحدة الوطنية بوابتها الرئيسة مراجعة اتفاقيات الإذلال الوطني في نهب الثروات الوطنية التي لم تتغير بنودها وشروطها منذ الحقبة الاستعمارية حيث عائدات حقول النفط والملح ومناجم الفسفاط تضخ في ميزانية فرنسا عوضًا عن ميزانية الدولة التونسية، عوضًا عن مراجعة مكاسب الشغيلة في تونس.
  • يحاجج المضربون اليوم ائتلاف حكومة يوسف الشاهد الليبرالية كون الوحدة الوطنية بوابتها الرئيسة استرجاع الدولة التونسية لعقاراتها المنهوبة التي وزعت على الأنسباء والحبايب على مدار الزمن النوفمبري، وليس بمفاوضات اجتماعية تقوم على الغش والخديعة. إذ ما معنى “زيادات” وهمية هي عبارة عن خصم ضريبي سيدفعه العمال عند أول زيارة لمقار القباضات المالية حيث يجدونها ديونًا تثقل كاهلهم وتعطلهم عن قضاء شؤونهم.
  • يحاجج المضربون اليوم ائتلاف حكومة يوسف الشاهد الليبرالية أن الإضراب العام الذي دُفعوا إليهم مكرهين دفاعًا عن تكريس الوحدة الوطنية واقعًا على الأرض فمثلما تتقاسم التضحيات، تتقاسم الثمرات.
 تونس ultra

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock