تدوينات تونسية

الحضارة الغربية… المرعى أخضر ولكن العنزة مريضة 2/2

بشير ذياب
يمكن أن نسأل اليوم ونحن في حياة سياسية وإجتماعية وفكرية متحركة، تبحث فيها البلاد عن شكل من أشكال التوازن الذي يسمح لها بالدوران دون أن يخرجها من مدارها حول الحضارة العالمية هل لدينا فعلا تيارا تونسيا علمانيا بالمعنى العلمي للكلمة ؟ الجواب بالنظر لتاريخ البلاد منذ الإستقلال إلى الثورة سيكون قطعا ” لا “، لأنه لا يوجد أثرا للعلم بمفهومه الحديث على الأرض التونسية، بل إن البلاد خاوية على عروشها من كل أثر تقدّم علمي أو حتى لآثاره الجانبية من نظام ونظافة وبيئة… أو أنها لم تقدر حتى على المحافظة على ما خلّفه الإستعمار الفرنسي من بنى تحتية كانت ستمثل النواة الأولى للبناء العلمي، بل كل ما نملكه هو نخبة مريضة غير قادرة حتى على التفكير الموضوعي فما بالك بالتفكير العلمي، ستّون سنة في ظل نظام سياسي علماني كان يفترض أن يكون لنا وفي الحدّ الأدنى سيارة تونسية، وحافلة تونسية، وقطارا تونسيا، وجسورا تونسية، وفلاحة عصرية، وطرقا سيارة عصرية، وشوارع وأرصفة عصرية…هذه هي المظاهر العلمية للدول العلمانية، لذلك على من يدّعون العلمنة وخاصة من أمسكوا بدواليب الحكم لدولة الإستقلال أن يكون لهم حدّا أدنى من الحياء وهم يتحدثون عن الدولة العلمانية التي يتشدقون بها.
على الضفّة الأخرى يمكن أن نسأل هل لدينا مسلمون أصلا، الجواب حتما لا، بل كل ما لدينا هو متمسلمون يدّعون النسب للإسلام تماما كما يدعي العلمانيون إنتسابهم للعلم، هؤلاء أيضا إختصروا الإسلام في طقوس الدروشة عند البعض وفي المظهر الخارجي عند البعض الآخر، أما جوهر الإسلام فهو هو نفسه جوهر الحضارة الغربية ، لا يزال لم تلامسه التيارات الدينية والعلمانية على حد سواء.
في هذا المجال، كتب أحد الدّعاة سنة 2008 إثر إقامته بباريس للعلاج نصا جميلا يقارن فيه بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية أو بين العرب والغرب سأختار منه بعض المقاطع.
يقول ” وقد أقمت في باريس أراجع الأطباء وأدخل المكتبات وأشاهد الناس وأنظر إلى تعاملهم فأجد رقة الحضارة، وتهذيب الطباع، ولطف المشاعر، وحفاوة اللقاء، حسن التأدب مع الآخر، أصوات هادئة، حياة منظمة، التزام بالمواعيد، ترتيب في شؤون الحياة، أما نحن العرب فقد سبقني ابن خلدون لوصفنا بالتوحش والغلظة، فنحن بحاجة لمعهد لتدريب الناس على حسن الخُلُق وبحاجة لمؤسسة لتخريج مسؤولين يحملون الرقة والرحمة والتواضع، وبحاجة لمركز لتدريس العسكر اللياقة مع الناس، وبحاجة لكلية لتعليم الأزواج والزوجات فن الحياة الزوجية… في البلاد العربية يلقاك غالب العرب بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة، من حزن وكِبر وطفشٍ وزهق ونزق وقلق، ضقنا بأنفسنا وبالناس وبالحياة، لذلك تجد في غالب سياراتنا عصيّ وهراوات لوقت الحاجة وساعة المنازلة والاختلاف مع الآخرين… نسأل الرجل الفرنسي عن الطريق ونحن في سيارتنا فيوقف سيارته ويخرج الخارطة وينزل من سيارته ويصف لك الطريق وأنت جالس في سيارتك، نمشي في الشارع والأمطار تهطل علينا فيرفع أحد المارة مظلته على رؤوسنا، نزدحم عند دخول الفندق أو المستشفى فيؤثرونك مع كلمة التأسف، أجد كثيراً من الأحاديث النبوية تُطبَّق هنا، احترام متبادل، عبارات راقية، أساليب حضارية في التعامل… بينما تجد أبناء يعرب إذا غضبوا لعنوا وشتموا وأقذعوا وأفحشوا.”
هكذا كان رأي شيخ من الذين قد يكونون فوجئوا بلب الحضارة الغربية وتقاطعها مع جوهر الإسلام، ليكتشف بعدنا عن الدين من ناحية وبعدنا من ناحية أخرى وهذا الأهم عن الموضوعية والعقلانية في تقييم الحضارة الغربية وإنغماس نخبنا المريضة “الوكيل الحصري للتوريد الفكري” في مصب فضلات هذه الحضارة لينقل لنا منها كل الأمراض النفسية والإجتماعية من لواط وسحاق وإدمان وتفكك أسري… وغيره من الأمراض ويشيح بوجهه عن جوهر الجضارة الغربية ورقيها.
لذلك يصلح فينا مقولة عالم هندي “المرعى أخضر… لكن العنزة مريضة” مرعى الحضارتين الغربية والإسلامية ومرض النخب الناقلة، نأمل أن يخرج جيلا عربيا جديدا يمزج بين الرقي العلمي والإجتماعي للحضارة الغربية والرقي النفسي والإيماني للحضارة الإسلامية الطبيب الحصري لأمراض الحضارة الغربية والتي قد تتجسد يوما ما في المستقبل الذي نأمل أن ندركه… زمن المسلمين الديمقراطيين.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock