تدوينات تونسية

القواد يظن أن الله مثل كاتب عام لجنة التنسيق

كمال الشارني
وقبل أن نشفى من مسألة الـ 40 ألف قواد، يجب أن أذكر لكم مأساة شخص أعرفه: كان أستاذ ثانوي، شاب أعزب سكير، ذنبه الوحيد أن أخته الكبرى تزوجت إسلاميا ناشطا تم الزج به في السجن في 1992 مخلفا أربعة أبناء. كان، مرة في الأسبوع يملأ قفة لبيت أخته حتى لا تموت جوعا مع أبنائها، اعتبر القوادون ذلك “جمعا للتبرعات” فتم إيقافه والحكم عليه بالسجن نصف عام، خرج من السجن مطرودا من التعليم بتوصية من القوادين، جمع أهله شوية فلوس وفتحوا له محلا لبيع لحوم الدواجن، فقام القوادون بحرقه ليلا بما فيه، أقام نصبة غلال في السوق فجاء الجماعة الذين تعرفونهم: أتلفوا السلعة وضاعت الفلوس، أوكي؟ قام صباح يوم أحد حزين في الشتاء بشنق نفسه في بيته وحيدا، ولم يتم التفطن إليه إلا بعد ثلاثة أيام، وقتها قال القوادون: كافر قتل نفسه لا يدفن في مقبرة المسلمين ولا يصلى عليه، مشكلة القواد أنه يظن أن الله سبحانه وتعالى مثل كاتب عام لجنة التنسيق،
أن نبدأ بالعلاج الجماعي من هذه الحيثيات المشينة،
ثمة حكمة تونسية في استقذار الواشي ووصمه بالقوّاد (يقود الزناة سرّا إلى نساء المتعة)، 40 ألف قواد رسمي دون اعتبار المتطوعين بمحض إرادتهم، كما في رواية البريطاني جورج أرويل “1984” التي تحدث فيها عن تحويل المواطنين إلى قوادين للسلطة، حيث يشي الابن بأبيه فيرسله إلى معتقلات التعذيب والمحو الإنساني، حسنا، إن ما حدث في برّ تونس لم يكن رواية، بل حقيقة شنيعة، كم أرسل كل قواد من مواطن إلى غياهب ما تحت الإنسانية؟ أضربوها في 40 ألف،
الآن، وبعد أن مر كل هذا الزمن، يجب أن نبدأ بالعلاج الجماعي من هذه الحيثيات المشينة بتوصيفها وفسح المجال لعلماء النفس والاجتماع لتفكيك عملية تحويل مواطن صالح إلى قواد يرسل أخاه إلى الجحيم الأرضي، خوفا أو لمجرد المتعة أو الكسب، وفي الأثناء، يمكن أن نجبرهم على الاستماع لأغنية الشيخ إمام (شعر محمود الطويل): “أنا الأديب وأنتم أدرى: خاين ولا حد يجيره، زي الكلاب يلقى مصيره، قتيل وفايت فينا غيره، ماشيين وفي نفس السرداب، الله الله يا بلدي، مخبر على الباب”، حسنا، إن ذلك لا يكفي، يجب أن يقرأوا قصيد مظفر نواب: بنفسج الضباب:
بالأمس قد عبرت جسر اليأس والرياح
لم يكن في الطريق غير المخبرين والنباح
سألتهم إن وجدوا هويتي
ودفتر الديوان والمفتاح
فقلبوا شفاههم والقوا القبض علي
وأودعوني غرفة التوقيف
وانتظرت أن يجيء اللّه في الصباح
لم يأت يا حبيبتي
وها أنا ضيف على التعذيب
في زنزانة أخرى بلا مصباح
مدينة تلقي علي القبض يا حبيبتي
يصبح فيها أعجز الناس هو السلاح
أفرج عني صدفة بالأمس
وحينما خرجت من جعبتهم
كنت أرى باللمس
وربما قد مات في الزنزانة الأخرى
الذي دق على جداري
لم أكن هنا أسمع عبرة الليل غير الهمس
وقدا تناهى الهمس
وكانت الحانات عبر الشارع الطويل
تكتظ بالحزن وضبط النفس
مدينة يبول من فيها على أنفسهم
أنظف منها اليأس
وها أنا مشرد أقرأ وجه الناس
والباصات والأفلام في الطريق
أقرأ إعلانا عن السلم
وفيه أقرأ التلقين والتصفيق
أبحث عن كتاب الحزن… أو صديق
يا عالما بلا صديق
يا عالما يختنق الإنسان فيه في الزفير مرة
ومرتين في الشهيق
مدينة يمنع فيها الشعر
أو يحتكر الكلام كالشعير يا حبيبتي
يقتلها النقيق
“أنا الأديب وأنتم أدرى” للشيخ امام عيسى

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock