تدوينات تونسية

وبي أملٌ يأتي ويذهب…

زهير إسماعيل
رغم العتمة، هناك ما يحفِّز على المرابطة على الحلم، حلم تصريف الحرية إلى عيش مشترك جميل وتنافس نبيل فيما ينفع الناس. ومن أهمّٰ هذه المحفّٰزات قلّة من الفاعلين في الشأن العام على نضج معتبر، ظهرت بوادرهم زمن الاستبداد، ولم يصدق من هذه القلة إلاّ قليلُها، بعد كسر الاستبداد السياسي وانفتاح حياة سياسية جديدة. وقلّةُ القلّة هي عندنا خير وأبقى، وهي الأمل الذي يشدنا إلى إمكانية بناء المشترك.
من هؤلاء الوزير والنائب والإعلامي والأمني والمربّي والمسؤول الحزبي والمواطن العادي…
هؤلاء، على ندرتهم، يتوزعون بنِسَب متفاوتة على جلّ الطيف السياسي الفاعل في الشأن العام والمنابت الإيديولوجيّة الموجهة للآراء والأهواء، لذلك هم يمثِّلون نواة الأمل الكبير، والبارقة التي تشير إلى أن للنفق نهايةً، وأن الاختلاف على الحريّة طريق إلى التقاطع في معناها الأساسي: إدارة الاختلاف وتأسيس التعارف.
تحضرني بعض الأسماء، ولست بذاكرها لأنّ تقييم دورها وتقدير عطائها بدوره موضوع للاختلاف أساسه الهوى وضيق الصدر وحُبّ المناجزة.
درجة هذا الحلم عندي كالإيمان تقوى وتضعف، فحينا تستمع إلى أحد من هذه “القلّة” يقوى إيمانك بالمشترك وبالقدرة على بنائه، وتشعر بأنّ حصاد الأمل مجزٍ وإن قلّ محصوله. ولكن حينما يعرض لك من هذه “الكثرة” وأعني مقسِّم المقسَّم ومجرِّدُ سيفه في وجوه الجميع، تقول هلكْنا وهلك الوطن.
ولقد تأكّٰد لديّ أنّٰ الأمر ( في الحاليْن) -ولئن بدا ظاهره صورةً لدرجة من “النضج السياسي”- فإنّه في حقيقته صورة من “النضج العاطفي” بما هو امتلاء وتوازن أو خواء واختلال. ويكون للتربية الأولى والنشأة المبكرة أثر كبير، بغض النظر عن التحصيل العلمي والتخصص الأكاديمي (بعض الاختصاصات مهذّب للنفس مُثقِّفٌ، وهذا أيضا متأثر بالاستعدادات الفردية).
والنضج العاطفي أساس متين وركن مكين لكل فعل إنساني، إلى درجة يمكن القول معها: إنّٰ من استبد من الحكام الفسدة عائد إلى “العاطفة” أكثر مما هو عائد إلى “السياسة” وروافدها الإيديولوجيّة، بدليل أنَّك تجد من أهل السياسة مختلفي المشارب والمرجعيات “الناضجَ” و”النيّئَ”.
وَمع ذلك فإِنَّ “نضج العاطفة” حالة فردية طارئة تزول بزوال حاملها، فلا مناص لاستنباتها واستدامتها من أن تصبح ثقافة وتصبح الثقافة صرحا ومؤسسة جامعة تتجاوز الأفراد وتخرج عن وعيهم ومن ثم تستمر بعد رحيلهم.
ولا أرى هذا الحديث عن العاطفة ونضجها من علم النفس وتحليلها، فهو أدْخَل في علم الفضيلة والقيم وأخلاق السياسة والعمران.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock