تدوينات تونسية

في مثل هذا اليوم كان إعدام صدّام حسين

عبد اللطيف علوي

جميعنا نتذكر تلك اللّحظة المهينة، صبيحة عيد الأضحى، كانت لحظة رهيبة، بدت للكثيرين لحظة عظيمة ومهيبة، لرجل يرحل مرفوع الرّأس يستقبل الموت فاتحا عينيه، وبدا للكثيرين أنّ ذلك الموت المشهديّ الرّائع، ربّما يكفي ليمحو كلّ جرائمه، ويجعل منه إنسانا عظيما يخلّده التّاريخ تخليد العظماء.

الحقيقة غير ذلك…
عندما تترك خلفك شعبا ذليلا ممزّقا، حطّمته باستبدادك وبحروبك التي خضتها بالوكالة، عندما ترحل وأنت تحمل معك آلاف المظالم وفي رقبتك أرواح الّذين قتلتهم ظلما بالكيمياويّ وغير الكيمياويّ… عندها… لا تطمع كثيرا أن يكون لموتك معنى، أو أن تصبح عظيما لمجرّد أنّك وقفت أمام الموت بشجاعة…
تشاوسيسكو أيضا وقف أمام الموت بشجاعة، وهتلر أيضا ذهب إلى الموت بمحض اختياره، لكنّ ذلك لن يغيّر من الأمر شيئا…
في المقابل كان إعدام لوركا، حدثا لا يتكرّر، ألهم الشّعراء والشّعوب الحالمة بضوء الحرّيّة، ليس لمجرّد أنه وقف لحظة إعدامه يرفع يده و يقرأ قصيدته الخالدة:
«”ما الإنسان دون حرية يا ماريانا؟\ قولي لي كيف أستطيع أن أحبك إذا لم أكن حراً؟\ كيف أهبك قلبي إذا لم يكن ملكي
ليس لأجل تلك الكلمات وحدها كان موته عظيما، وإنّما لأنّه عاش لوركا الّذي نعرف… وكتب ما نعرف.. وخلّد قيم الحياة والحبّ والحرّية الّتي نعرف…
عمر المختار أيضا كان لوركا قومه، وأحمد ياسين، وناجي العلي وغيرهم…

لا بطولة في الموت أبدا… مهما كان يبدو في صورة عظيمة ومجيدة.
البطولة الوحيدة، هي في الحياة التي تجعل لذلك الموت قيمة استثنائيّة.. الحياة الّتي تحمل الإنسان إلى تلك اللّحظة الفارقة، التي نسمّيها الموت العظيم.. موت الشّهداء، أو الشّعراء أو الزّعماء الخالدين، أولئك الّذين يتركون في نفوسنا لحظة رحيلهم، امتدادا شاسعا للحياة رغم الألم وهول الصّدمة الوجوديّة، المتجدّدة دوما كلّما تذكّرناهم، كأنّنا نعيشها لأوّل مرّة…
بعض الصّغار، يريدون أن يجعلوا لموتهم ضجيجا استثنائيّا، بافتعال التّرّهات، والغبار والعجاج… ليجعلوه حدثا دراميّا ملحميّا، يستثمرونه في الحياة ويبتزّون به العواطف والدّعوات ويحيطون أنفسهم بهالة من القداسة.
بعضهم يكتفي بأن يجعل من موته البارد، حدثا دراميّا يركبه كلّ أنواع البطولات، وكأنّنا نلحظ نهاية أسطوريّة لسوبر كائن أو نصف إلاه، يرخي رأسه الثّقيل بعد أن أفرغ كلّ سنوات العمر واقفا مفتوح الصّدر والذّراعين في وجه العواصف والبراكين والزّلازل، يوزّع الرّحمة والحكمة بالمجّان على العباد الأشقياء…

لمثل هؤلاء أقول :
من فاتته الحياة فقد فاته وقت البطولة ولا يستطيع أن يطلبها عند الموت…
حياتك هي التي تجعل لموتك قيمة، وليس العكس.
لم أغفل عن الموت يوما، كما أنّه لم يغفل عنّي، كنت دائما أسأل نفسي:
.. ماذا يمكن أن أشتري بموتي ؟
فأجيب:
لا شيء! لا شيء إطلاقا!
ثمّ أسأل نفسي ثانية:
وماذا يمكن أن أشتري بحياتي ؟
فأجيب:
أستطيع أن أشتري بها موتة عظيمة تليق بشاعر، لم يكتفِ بالكتابة، بل عاش شاعرا…

جزء كبير من مشهد المأساة العربية في الخمسين سنة الماضية سببه المباشر هم القوميون وليس الإسلاميون، لكنّهم يرفضون أيّة مراجعات في هذا المجال، ويواصلون التبرير بشكل مرضيّ لعقود من القهر والاستبداد والتخلف بحجج مقاومة الامبريالية والرجعيّة، في حين أنّهم لم يفعلوا سوى تأبيد عبوديّة هذه البلدان للامبريالية وتفريخ محاضن الرجعية.
خمسون سنة من الاستبداد العسكري في مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا باسم القومية المشوّهة الغاصبة لإرادات الشعوب، ومازالوا يبرّرون ويصرّون على العمى الكامل، بل ويرجعون مآسي هذه البلدان إلى الرجعية الإخوانية والامبريالية (من الأمبرة).
هؤلاء لن يتغيروا أبدا، ولن يستطيعوا يوما أن يفهموا جملة واحدة بسيطة غير مركّبة:
الاستبداد كفر. كفر يا هموم، كفر!
لا فضيلة أبدا لمستبدّ، لأنّه حتّى إن بنى دولة فلن يبني وطنا!
سيبني دولة قوية على شعبها غنيّة لفئة دون الأخرى مقاومة لأبنائها التّوّاقين للحرية، ذليلة رخيصة أمام المستعمر والمافيات واللصوص والجلاّدين!!!
الوطن شيء آخر، الوطن هو البيت الّذي يفتح أبوابه للجميع ويعدل بينهم ويحترم إرادتهم ويصون كرامتهم وأرزاقهم ويساوي بينهم في الفرص…
فكيف إذا كان هؤلاء المستبدّون، لم يبنوا دولا ولا أوطانا!!!
أفيقوا… انتهى عصر الدراويش!
#عبداللطيفعلوي

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock