تدوينات تونسية

الشاهد والساحر والحرباء

سفيان فرحات

كي تنطلي الحيل على المتلقي.. كثيرا ما يرفع السّاحر يده من أجل الإلهاء لتتعلّق بها الأنظار، وفي نفس الوقت تحاك الخدعة في اليد الأخرى، فلا يستيقظ المتابع إلا حينما تصدمه الخواتيم الغير المنتظرة.

يبدو يوسف الشاهد وكأنه يريد تعلّم السحر على قفا الشعب، كيف لا وهو يستدعي نفس الخدع، ماكينة البروباقندا التي تؤثث يومه بمشاهد وقرارات شعبوية من قبيل زيارات لمناطق مهمشة وتصوير ما يشبع به مخاطبيه من وعود، أو من قبيل التخفيض في أسعار السيارات الشعبية بالتنازل عن الأداءات (متناسيا أن في ذلك إضعاف لموارد الدولة لكن دون المساس بأرباح أصحاب نعمته) أو الوقوف أمام الإتحاد متجاهلا مطالب الموظفين والأسرة التربوية التي لامست قاع الفقر.

مع هذه اليد المرئية، يتحرّك الشاهد بيد أخرى، إنها مجموعة نواب كتلته، حيث يمرّرون مقترحات تخدم لوبيات المال والنفوذ على حساب الشعب، وعلى حساب الدولة التي تشكوا أصلا عجزا ماليا.

أمس في مشهد درامي مفعم بالدلالة، حاولوا تمرير مقترحات لتخفيض الأداءات على وكلاء وموزعي السيارات (CONCESSIONNAIRE) والتخفيض أيضا في أداءات الشركات التي تستغل اسم تجاري أجنبي (FRANCHISE) وهم الذين يغتالون قطاعات واسعة من الصناعة الوطنية، وآخر القطاعات التي يحارب من أجلها الشاهد هي المساحات التجارية الكبرى التي غزت البلاد في زمنه، يريد أن يخفض عنها نسبة الأداء، إجراءات تزيد من إضعاف موارد الدولة خدمة لأكثر القطاعات التي تدرّ أرباحا.
عندما لم يقدروا على تمرير كل هذه المقترحات المدمرة لما بقي من الوطن، بفضل أصوات المعارضة التي فضحت نواياهم، أقنعوا وزير المالية بأن يقترح تأجيل تفعيل النسبة المصادق عليها السنة الفارطة حسب قانون المالية لسنة 2018 والذي يدخل حيز النفاذ في السنة الحالية، وزير المالية الذي أثبت أنه “وزير برتبة صانع لدى نواب رجال الأعمال” وبعد أن وافق على المقترح وأخذ الكلمة ليعلنها، تراجع عندما واجهته المعارضة وهددت بفضحه.

الآن يتجلى أكثر لماذا قررت “الدوائر المغلقة” (مطبخ الدولة العميقة والقوى الإقليمية) التخلي تدريجيا عن “الباجي قائد السبسي” بعد أن أمّن عودة التجمّع في حلّة النداء والبحث عن “حارس جديد”.
على صعيد آخر ووسط هذا المشهد المتشابك، مرّة أخرى حزب النهضة تقف  على استعداد للتنازل عن كل شيء ووضع يدها حتى في يد “الشيطان”، هذا الدور يبدو أنه حتى وإن لم تختره الحركة فإنها تُدفعُ إليه وتُوضعُ مع كل منعطف سياسي في مفرمة الهرسلة السياسية والقضائية والأمنية، وإن بدت في مناسبات كثيرة ثعلبًا يريد التسلّل بأي طريقة إلى مواقع القرار في “الدوائر المغلقة”.

وصفات التحكّم في العقل الجمعي بدأت منذ مدّة في خلق الصورة الجديدة ليوسف الشاهد “المنشق” عن طوع ولي نعمته الباجي وحزبه، كما بدأت بخلق صورة المنقذ والبطل بحلّة تَحيكها من نفس خيوط الحلّة البالية لسلفه في غفلة من المستهلك الذي تعوّد على هضم كل ما يقدّم له على الأطباق الإعلامية دون إعمال عقل.
الشاهد مستعد أن يكون “خماس” (وقد أثبت ذلك) عند كل دوائر النفوذ الداخلية والخارجية، لذلك نراه يُرضي الدوائر الصهيونية بوزير متصهين، ثم يقدّم الأن ولاءه للشركات العابرة للقارات من خلال حرصه على مصالح وكلاءهم.

حين أعلن العجوز نهاية “التوافق” في مشهد متلفز تملأه الانفعالية، لم يحبس شيخ مونبليزير جوابه في صدره ليلتها وجاء في بيان بارد دون مؤثرات الميديا، “التوافق لم ينته”، ما لم يكتبه راشد الغنوشي وفهمه الباجي قائد السبسي “أن التوافق لم ينته لكن تغيّر طرفه”، وطرفه الجديد مجتهد أكثر لدوائر القرار الإقليمي وله قدرة أكبر على التلوّن الحربائي.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock