تدوينات تونسية

الخديعة …

علي المسعودي

أعرف أن كثيرا من أصدقائي، سيتّهمون، ولكني أعتذر سلفا، سأصدع بما أراه حقيقة مهما كانت صادمة… وأيضا أتهم.
أنا مربّ، منتم للجامعة العامة للتعليم الثانوي، وسأظل على انتمائي إلى أن ألقى إحدى الحسنيين: شرف المهنة أو شرف الموت..
أنا لا أرى تسمية لما يحدث نقابيا إلا تسمية العبث.
العبث هو أن لا نحمل مسؤولية تردي وضع التعليم إلى النقابة قبل سلطة الإشراف.
والعبث هو أن ندعي كل الشجاعة والنضال، أن نعلن الحرب جهارا بكل ألوان الخطاب، ثم نختفي جبنا تحت جبّة أرباب النضال.

•••

فليكن مبدؤنا هذا السؤال: الوضع المأساوي للمؤسسة التربوية هل هو طارئ ودخيل ؟ هل ولد مع الوزير الذي اكتشفنا فجأة تاريخه أم عمره من عمر جيل ؟..
إذا كنا نعايش وضعا كارثيا، ويزداد تعفنا كل يوم، أتساءل: هل كانت نقابة الثانوي طبيبا مناوبا لثلاثين سنة كاملة ينتظر أن يأتيه المريض زاحفا، أو بعد موافاة الأجل ؟
هذا التخبط في البرامج والبيداغوجيا، هذا التصحر في المعارف عند التلاميذ، والمراوحة الدائمة بين الأمية وفك الأبجديات، هذا التسرّب الفظيع من أنبوب منظومة التعليم والذي يساوي شعوبا بأكملها ضاعت في الهوامش والمقاهي وفي عمق البحار، هذا الفقر المدقع والمتنامي للمؤسسات التربوية والتي كادت تسقط فيها الأسقف، وتنهدّ الأسوار، هذا التسوّل المقنّن الذي تمارسه مؤسسات التربية من أجل إقامة الأود وسدّ الرمق، هذا التفسّخ المنهجي لمفهوم الأسرة التربوية حتى ما عاد يجمعنا بفعل السطوة القطاعية إلا دستور لبنان، هذه المؤسسة التي انتهك شرفها فما عادت لها حرمة، يطؤها العاقل ونصف العاقل والمجنون، والفارّ من العدالة وكل مدمن أو مروّج للسعادة، أليس في كل هذا ما يستحق أن يستثير شهامة النقابة ونخوتها لتدافع عن كرامة البلد، أليس في كل هذا ما يستحق النضال يا رفاق، ولا تحدثوني عن الشعارات، فقد استعملتموها نصف قرن كامل حتى فرّت كل الحروف واللافتات. ستقولون حتما: بل نناضل.. وأقول بئس النضال والمناضل، وبئس الطبيب قادرا على منح الحياة ولا يبادر..

ثم ما هذا النضال ؟ كيف تحتمي الجنرالات وراء هامات الجنود ؟ كيف نخشى من قوائم تحمل أسماء الأسود ؟ كيف تقنع الناس أن كل إضراب نقابي، هو من جيب الوزير ؟ كيف تقنع الناس أن لا فرق بين يوم إضراب أو يوم عمل ؟ كيف يجبن هذا النقابي عن دفع الثمن ؟ كيف تعلن الإضراب، كما يعلن الساسة الحروب، ثم ننكر الأمر انكارا عجيبا. كيف نختفي خلف المدير ليدفع عنا الثمن ؟ كيف يمكن للحق النقابي أن يمارس، بأريحية، والضحية لا يهم ؟.

هكذا أخرست نقابتنا العتيدة كل من يسأل، تعريضا، في علم السياسة: بكم “كيلو” النضال ؟.. إنه أجر يوم للمدرّس، لا يزيد !!.
لقد انحدرت الممارسة النقابية إلى حد لا يطاق من المهاوي والعفن. لقد أصبحنا فتوّات في هذا الوطن !!

•••

كيف تكون مربيا في هذا الزمن ؟… هذا هو المعنى الذي ضاع، وضاعت إثره كل القيم..

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock