تدوينات تونسية

عندما تتحرّر غزّة… من العرب !

عبد اللطيف علوي

منذ اندلاع الصراع العربيّ الإسرائيليّ حول الموضوع الفلسطينيّ، بقيت حدود المسؤولية والأهلية في اتّخاذ قرارات السلم والحرب، وما يترتّب عنها من نتائج سياسية أو ميدانية، محلّ تداخل وتوظيف متبادل بين الحكومات العربية وفلسطين، ممثلة تارة في منظمة التّحرير وتارة أخرى في سلطة أوسلو وطورا في فصائل المقاومة الشّاذّة عن هذا الطوق أو ذاك… ومن المفيد التّأكيد هنا على أنّ المقصود بعبارة الصراع العربيّ هو صراع الحكّام العرب باعتبار أنّهم تاريخيّا، لم يكونوا على نفس اتّجاه البوصلة مع الشّعوب، لا في أهداف المعركة ولا في أدواتها ولا في ينبغيّاتها الوطنية والقومية بما تتطلّبه من تعبئة شاملة ووحدة حقيقية..

العلاقة بين الطّرفين (العربي والفلسطيني)، اللذين كان من المفروض أن يكونا طرفا واحدا، ظلّت لما يزيد عن سبعين عاما قائمة على منطق العبئيّة التّاريخيّة، وليس على منطق الشراكة في المصير، فالعرب الرّسميون، تعاملوا دائما مع القضية الفلسطينية كعبء تاريخيّ، وبحسابات دقيقة يجب أن توازن دائما بين ضرورات تسويق الموقف وضمان الموقع. ثنائية الموقف والموقع حكمت هذه العلاقة في أوقات الحرب والسلم لعقود طويلة.. فقد كانت الحروب التي خاضها العرب كلّها، بدءا من 48 ووصولا إلى 2006 مرورا بـ 56 و 67 و73 و82، كانت حروبا محدودة الأهداف سياسيّا، ولم تكن حروب تحرير أو تثبيت وجود، ولذلك جاءت كلها سريعة ومحكومة بأهداف محدودة مجاليّا وسياسيّا.

حرب 48 كانت إجراما تاريخيا في حقّ القضية الفلسطينية، لأنها أعطتها منذ البداية صفة الحرب الإقليمية بدون أن تتحقق لها تلك الشروط، هذه الحرب التي اندلعت بعد صدور قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية وإسرائيلية وفى بداية الحرب عانى الفلسطينيون من هزال الدعم العربي بالسلاح والعتاد لدرجة مأساوية وحتى دخول الجيوش العربية إلى أرض فلسطين تمكن الفلسطينيون من الحفاظ على نحو 82 % من الأرض رغم النقص الشديد في كل شيء قياسا باليهود وقد مثل دخول الجيوش العربية السبعة قصة مأساة أخرى فلم يزد عدد مقاتليها مجتمعه على 24 ألف مقابل أكثر من 70 ألف يهودي وعانت من ضعف التنسيق فيما بينها وجهلها بالأرض ومن أسلحتها القديمة والفاسدة كما عانى بعضهم من سوء قياداته فضلا على أن أحد هذه الجيوش كان بين ضباطه الخمسين الكبار 45 بريطانيا. وكان من نتائج هذه الحرب الخاسرة أن أعلن اليهود دولة إسرائيل فى مساء 14 ماي 1948 وتكمنوا من هزم الجيوش العربية والإستيلاء على نحو 78 %من أرض فلسطين وقام اليهود الصهاينة بتشريد أكثر من ثلثي الشعب الفلسطبنى ودمروا (478) قرية من أصل 585 قرية كانت قائمه قبل الحرب وارتكبوا 34 مجزرة خلال الحرب وأثناء عملية التهجير. لقد مزقت هذه الحرب النسيج الاجتماعي والاقتصادي للشعب الفلسطيني فوجد نفسه مشردا في العراء، نتيجة للحسابات العربيّة الخاسرة.

بقية الحروب كان العرب يخوضونها بحسابات الربح والخسارة داخليا، فكانت هزيمة 67 ونتائجها الكارثية، وكان فيلم 73 الّذي خرج منه العرب بنصر وهميّ إعلاميّ، استغلّه العسكر لمزيد الرّكوب على الشّعوب، وصدّق العرب أكذوبة الانتصار في حين أنها كانت نكبة أخرى أنتجت كامب ديفيد، فأخرجت مصر نهائيا من المعادلة، وتفرّغت إسرائيل بداية من الثمانينات لتحطيم العراق، وتصفية القضية الفلسطينية في آن واحد فانتهت إلى أوسلو…
لأول مرة يسقط الفلسطينيون عن كاهلهم عبء (الدعم العربي) والوصاية على المصير ولذلك نراهم اليوم ينتصرون…
لم يعد يعنيهم حسابات الدول العربية في علاقاتها بالدول الكبرى، وما عاد يكبلهم احتمال قصف القاهرة أو عمان أو دمشق، أو إحتلال هذه العاصمة العربية أو تلك، ولا الحسابات الحزبية لهذا المتنطع العربيّ أو ذلك المقامر أو ذلك المغامر…
فلسطينيو غزة تحرّروا تماما من سكين العرب المسلط دائما على رقابهم أكثر من إسرائيل… الحصار حرّرهم تماما، والتواطؤ والتّجاهل والتّآمر صار نقطة قوة في صالحهم، لأنه أقنعهم نهائيّا بأن المعركة لا تخاض إلاّ على الأرض الفلسطينية، وبوسائل فلسطينية، وبأهداف فلسطينية.
من هنا جاءت غزة…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock