مقالات

الشاهد وموسم الهرولة نحو التطبيع.. هل يمر تعيين روني الطرابلسي ؟

شكري بن عيسى

لعلّ الحركة الواسعة للتطبيع العلني المباشر على المستوى العربي هذه الأسابيع مع الكيان الصهيوني هي ما شجّع الشاهد على استجلاب أحد رموز التعامل مع “إسرائيل” لتعيينه على رأس وزارة السياحة، في الوقت الذي لا نعلم فيه بالضبط إن كانت الفكرة من صميم تفكيره أم باقتراح مباشر من المحتل أو أحد شركائه الدوليين النافذين أو في مستوى آخر من أحد الدول العربية التي دخلت على خط التطبيع.

حركة واسعة دخلت فيها الدول الخليجية لإرساء علاقات مباشرة مع الكيان الغاصب للأراضي العربية، من الإمارات التي إستقبلت وزيرة صهيونية ومشاركة رياضية إسرائيلية صاخبة، إلى عمان التي استقبلت رئيس الوزراء العبري نتنياهو، وصولا إلى قطر عبر مؤتمرات التطبيع الإقتصادي العلنية، دون نسيان السعودية التي أصبح الغزل بينها وبين الإحتلال الاسرائيلي على المباشر وآخرها ما تعلق بقضية الخاجقشي، والقائمة باتت طويلة من المغرب إلى الأردن ومصر مرورا بحليف الإمارات في ليبيا حفتر، وحتى البحرين فلم تقدر على إخفاء نزعاتها التطبيعية بعد زيارة وفد بحريني للأراضي المحتلة إثر نقل ترامب سفارة بلاده للقدس، تحت عنوان حملة “التسامح” التي أطلقها الملك حمد، والأمر وصل هذا الأسبوع إلى دعوة وزير الاقتصاد العبري للمشاركة في مؤتمر مهني حسب صحيفة “يدعوت احرنوت”.. والهرولة نحو التعامل مع “تل ابيب” باتت شبه عارمة عربيا.

وهو ما فتح الباب واسعا للشاهد للدخول على هذا الخط الرابح، خاصة وأنه يمنح شبكة أمان سياسية واقتصادية ودبلوماسية وحتى امنية واستخباراتية هامة للأنظمة والشخصيات التي تعاني من أزمة شرعية، والتعامل مع العدو صار حاليا شيك عالي القيمة بل غير مقدّر الثمن لمن يرغب في ضمان مستقبل سياسي “مشرق”، والرغبة الجامحة اليوم للشاهد في التمترس في السلطة ولعب دور ريادي فيها في الموعد الانتخابي لـ2019 تجعله يلعب كل الاوراق الرابحة في الصدد حتى لو تعلّق الامر بطرق باب التطبيع، ولا شكّ ان هذا الامر ينضاف للشبكة الدولية من القوى والبنوك الدولية والتحالف المباشر مع الحزب الاغلبي في تونس: النهضة.

ونيل الرضى الاسرائيلي الى جانب رضى القوى الكبرى والبنوك والصناديق المالية الدولية الى جانب التسوية داخليا مع الحزب الاسلامي المرجعية قد يضمن بشكل عالي الاستمرار في الحكم في موقع آمن لمدة خماسية جديدة لساكن القصبة ان لم تكن مصاعفة، والتسليم للاتحاد الاوروبي بامضاء اتفاق “الأليكا” قبل موفى 2019، اضافة للتسليم الكامل لصندوق النقد الدولي بالتنفيذ الكامل لبرنامجه التحريري المالي والاقتصادي، لا يضير صاحبه في مزيد التسليم للكيان الصهيوني عبر استقدام احد اصدقائه في السياحة.

و”الاختيار” كان مدروسا جدا والرضى بل السعادة الاسرائلية لم يقدر الكيان الغاصب على اخفائها، بل شكلت الحدث هذا الاسبوع من خلال “الجورازليم بوست” التي احتفت بالحدث، او من خلال موقع “اسرائيل بالعربية” الذي تمنى للحكومة التونسية اثر هذا التعيين “النجاح”، وعدة تفاعلات “ايجابية” على القرار، والتعويل من الشاهد كان على النهضة وعديد الابواق التونسية المهادنة للتطبيع، اذ وضعية النهضة كما في حالة امال كربول سابقا تدفعها لمساندة هكذا قرار، خاصة وان عديد اعضائها سواء رفيق عبد السلام بوشلاكة في مؤتمر التطبيع الاقتصادي القطري، او ايمان بن محمد في الجمعية البرلمانية المتوسطية، انخرطوا في التطبيع الواضح، ينضاف ذلك للابواق في الاعلام التي اعتبرت الطرابلسي دعم السياحة وقت الازمات ولا يجب ان تمنع ديانته حقوقه المواطنية في المناصب الوطنية العليا، خاصة وانه يمتلك دراية واسعة بالمجال السياحي المعقّد.

وهي جملة المسوغات التي عوّل عليها الشاهد داخليا لتسويق “خياره”، اذ ما كان يقدر ويتجاسر في هذا الوقت الدقيق على هذا الامر، لولا المكاسب الدولية وفي جوهرها الدعم الصهيوني، ولولا هذه الاصوات الداخلية الداعمة، فالاعتراضات المنتظرة لم تثبطه برغم خطورتها، وليس اقلها غياب الكفاءة السياسية والادارية للمعني اذ الوزارة تتطلب مستوى علميا يفتقده الطرابلسي بعدم امتلاكه حتى الباكالوريا حسب ما نشر في سيرته الذاتية، فضلا عن الخبرة الادارية التي تختلف عن الخبرة المهنية والتجارية، والامر يزداد حدة بوجود تضارب مصالح صارخ لشخص يمتلك عديد المشاريع في القطاع السياحي سيصبح المسير للقطاع، هذا دون نسيان وجود نزاعات في القطاع بينه وبين مهنيين سيكون فيها الخصم والحكم.

ولكن هذه الحقيقة على خطورتها ليست بحجم وخطورة المواقف المناهضة للمصالح والمبادىء الخارجية التونسية والامن القومي والاسس والقيم المضمنة في الدستور التونسي من الوزير المقترح لحقيبة السياحة، فمواقفه وعلاقاته بالكيان الاسرائلي موثقة، وآخرها ما تضمنه تصريح لـ”فرنسا 24” يستنكر فيه الطرابلسي مواقف تونسية منددة بالتطبيع وبنقل ترامب سفارة بلاده للقدس، وهو ما يجعل تعيين هذا الشخص تطبيعا بل اختراقا للسيادة الوطنية، وضربا للامن القومي وتعديا على التوجهات الخارجية، ودوسا للدستور الذي ينهاهض الاحتلال والعنصرية، في الوقت الذي يدعم فيه الوزير المقترح المحتل الصهيوني، ولم نر له موقفا صريحا عاليا منددا بالاحتلال والجرائم الوحشية الاسرائلية والابادة الجماعية ضد الاخوة الفلسطينيين.

من المؤكّد أن تكون جلسة منح الثقة للوزراء الجدد ساخنة جدا، خاصة وأنّ الاغلبية المساندة للشاهد ليست مريحة، وهي بالكاد حسب المواقف المعلنة حد كتابة هذا المقال (النهضة: 68 الائتلاف: 40 المشروع: 14) يمكن ان تضمن الاغلبية المطلقة المحددة بـ109، والنهضة خاصة بعد غرقها في التطبيع مع الفساد من خلال مصادقتها على قانون “المصالحة” والتطبيع مع المنظومة السابقة من خلال تحالفاتها معها وقبول رموزها، سيكون عدد من نوابها في مأزق عميق ان انخرطوا في التطبيع مع الكيان الصهيوني في هذه الحالة بالتصويت لروني الطرابلسي.

الشاهد اليوم لم يعد يخجل من استعمال كل الاسلحة من اجل الاستمرار في السلطة حاليا وفي المراحل القادمة، والهرولة باتت مفضوحة نحو التطبيع، بالنظر للمكاسب المنتظرة من المنظومة الدولية والكيان الصهيوني مستغلا حالة التشرذم السياسي الداخلي، ولكن في المقابل العملية لن تكون سهلة المنال، أمام معارضة تبحث عن مكاسب سياسية في ظل الاخفاقات المتزايدة للحكومة سيكون صوتها صادحا مدويا ولا نظن انها ستفرط في هذه الفرصة عالية القيمة اعتباريا وسياسيا، كما لا نعتقد انها ستتهاون في هذه المعركة المرتبطة بالاستقلال والتحرر والثورة والامن القومي والعروبة، وبالتوازي فالقضاء الذي منع في مرتين دخول اسرائيليين في مناشط رياضية وجمعياتية سينظر استعجاليا في ايقاف تنفيذ تسمية الوزير على خلفية دعوى تقدمت بها جمعيات مدنية مناهضة للتطبيع.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock