تدوينات تونسية

الإنسانية هي المستقبل الوحيد الممكن للبشر !

بشير العبيدي

#أقولها_وأمضي

لنتأمّل بعض المنجزات التي حقّقها الإنسان، بدءاً من استخدام الحجارة والأدوات في الأزمنة الموغلة في القدم، وصولا إلى استخدام المحطات الفضائية الدوليّة في زماننا هذا: كلما أنجزت حضارة من الحضارات شيئا تأكدت منفعته، خرج ذلك الإنجاز من كونه إضافة لحضارة معيّنة، وصار أمرا إنسانيا صرفا، لا يمكن لأحد أن ينازع ملكيته أو الأسبقية إلى إنجازه.

هكذا تطوّر الزّمان بالإنسان، وهكذا تحوّل كل شيء له نفع ما إلى إنجاز إنسانيّ، فلا أحد الْيَوْم يفاخر بأنّه أوّل من اكتشف الثمار في الغابات، ولا أحد يزعم أنه أول من حرث الأرض وفلحها، ولا يجرؤ عاقل على الزعم بأنّه أوّل من صاد طيرا أو طريدة، ولا يمكن لأحد أن يقول أنه أوّل من دجّن الحيوان، ما لا يستقيم أن يقول أحد أنّه أول من صنع آلة ما، أو اكتشف معدنا ما، أو وضع قاعدة ما، أو فكر في تجريد دالة رياضية ما، أو غير ذلك.

الْيَوْم، الكرة الأرضية تستخدم الأرقام العربية (0،1،2،3،4،5،6،7،8،9)، وهي صارت ملكا للبشرية جمعاء. الْيَوْم الكرة الأرضية تستخدم السيارات والطيّارات والكهرباء وآلات التصوير وآلات التواصل والهواتف والأجهزة بأنواعها. لا أحد يمتلكها، وكل من استطلاع تصنيعها يبيعها ! الْيَوْم، المؤسسات والنظم والهياكل والإدارات والوزارات وكل المنظومات التسييرية، صارت أمرا إنسانيا عالميا شائعا، لا يمكن أبدا تأسيس الدول والأنظمة والهياكل والحوكمة وانتخاب الحكام وتسيير شؤون الأحزاب والقوانين المنظمة للحياة البشرية إلا وفق معايير ومواصفات تعود في نهاية التحليل إلى تراكم حققه البشر.

نعم، قد تكون التقانة ذات طابع محلّي، فنقول إنها تقانة روسيّة أو تقانة أمريكيّة، أو تقانة تركيّة أو تقانة فرنسية أو تقانة صينية أو غيرها. لكنها في النهاية تتطوّر في نجاعتها وتصير ضمن المنجز الإنسانيّ العام، وتنتشر في ربوع البسيطة كإضافة إنسانية.

وثمّة عقدة في نفوس بعض الذين سجنوا أنفسهم في سجن معرفيّ وأقفلوا على أنفسهم بأقفال الثقافة المحلية، وهو أنهم يواصلون مقاومة المدّ الزاحف لأنسنة الوسائل والنظم والمعايير، وليست هذه المقاومة إلا كعنز تنطح جبلا : لا مناص من أنّ البشرية سينتهي بها المطاف إلى تبني كلّ إنجاز ذي جدوى يحقق لها معنى ما للتقدم وتسهيل الحياة. ومن ذلك النظام الانتخابي في الحكم وانتشار المعايير الشورية الملزمة للحوكمة الرشيدة : هذا الجانب سيسيطر على كامل الكرة الأرضية، ومن يعارضونه الْيَوْم من مستبدين وثقفوت وكهنوت، فهم ليسوا سوى نعاج تائهة لا تدري اتجاه الريح، وتحاول المقاومة دون جدوى.

نعم، لم يحقق الإنسان السعادة والسلم بفضل هذه التطورات المتلاحقة. نعم لقد سيطر جزء من البشر على بقية الأجزاء بفضل السبق في امتلاك الأسلحة والوسائل الخطيرة التي تضمن التحكم في بقية البشر. نعم الوسائل الخطيرة تمتلكها قلة متحكمة. لكن الإنسانية لا مهرب لها من استخدام الوسائل الجديدة لاختصار الطريق نحو إنتاج التقدم وإضافة كل ما من شأنه أن يرفع درجة الجدوى، ويخفف آلام الناس ومعاناتهم، مهما كانت…

من هنا، لا أظن الدعوات التي تزعم أسلمة المعرفة وأسلمة العلوم سيكون لها مستقبل ما. لأن أقصر طريق للأسلمة هي الأنسنة، والذي يمنع لحد الآن بلدان المسلمين من تحقيق حياة الاستقامة والتوازن والوسطية هم أعداء أنسنة أنماط الحكم. لأن هذه الأنماط تقدمت جدا وساهمت في منع تغول الحكام. انظروا لحاكم أمريكا كيف يرعد ويزبد، ثم ترده المؤسسات المنتخبة إلى جادة الطريق. كذلك هو شأن الحكام المفسدين في الأرض : هم يرفضون التغيير لأنه ليس في صالح فسادهم ويمنعهم من مواصلة حياة الوحوش… على غرار تلك الحياة التي يستعمل فيها الشرّ النشر بالمناشير والتذويب بالأحماض…

✍🏽 #بشير_العبيدي | 1440 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تَصْنَعُ أمَلًا |

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock